منتديات حركة مجتمع السلم لرجام - تيسمسيلت
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات حركة مجتمع السلم لرجام - تيسمسيلت

بسم الله الرحمان الرحيم (( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُون )) التوبة / 105  
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
مواضيع مماثلة

     

     آداب الطموح ... بقلم الدكتور عبد الرزاق مقري .

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    حمس لرجام
    عاملي
    عاملي
    حمس لرجام


    ذكر
    عدد الرسائل : 1902
    العمر : 61
    العمل/الترفيه : الأنترنت
    تاريخ التسجيل : 04/09/2008

    آداب الطموح ... بقلم الدكتور عبد الرزاق مقري . Empty
    مُساهمةموضوع: آداب الطموح ... بقلم الدكتور عبد الرزاق مقري .   آداب الطموح ... بقلم الدكتور عبد الرزاق مقري . Emptyالسبت يناير 02, 2010 12:14 pm

    "لم يُنجز شيء في هذه الدنيا لم يسبقه طموحُ طامحٍ وأشواقُ منجزٍ، ولا يُتصور حياة تَعمُر دون رغبات الوصول وآهات السير على الدروب. ما كانت الدنيا يوما لوحة فنية جميلة توهب لمن وُهب، دون قصد القلب وصرير الركب، دون رمق الأعلى وبذل الأغلى واحتمال الصعب.... هذه الدنيا التي لم يقم الله لها وزنا حال الناس لها كالذي ترى، فكيف بالأخرى، وكل ما فيها نعيم مقيم لم يُر مثله في الورى. " قول مأثور

    لقد اختلف الناس كثيرا حول مفهوم الطموح وقل فيهم من أدرك بشأنه الحكمة والعدل والوسط. فترى قوما من أهل الجد والجلد تستبد بهم رغبات وصول منفلتة فتدفعهم إلى حال من التسرع و التأزم توصلهم إلى إنجازات متردية و انتكاسات مؤسفة أو ضياع فرص وإضافة أزمات، وأسوء حالهم أن منهم من يهين نفسه ويظلم غيره لتحقيق مقصده. وترى آخرين مستقيمين ومجدين ولكنهم مترددين وغير متبصرين يخشون الإقبال ويخافون الظهور، يحتاطون لدينهم ولكنهم يفرِّطون في حقوق أمتهم، قد يفوزون بالسلامة ولكنهم يضيعون الأجور المضاعفة. وأسوء ما في هؤلاء أن منهم من يصبح سلبيا يلوم من سبق وبادر ويحسد من جد واجتهد. وبين هؤلاء وهؤلاء أحوال متعددة وأصناف متنوعة تصيب تارة في الأمر وتخطيء تارة.

    • هل الطموح مشروع؟

    إن أول شيء يجب الوقوف عنه قبل التفصيل هو الجواب على السؤال التالي: هل نسلم بشرعية الطموح؟ وهل يوجد طموح مشروع؟ إن كلمة "الطموح المشروع" شاعت كثيرا في أوساط أفراد الحركة الإسلامية وقد استعملها فضيلة الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله في فترة من فترات عمره ليشجع الشباب ويدفعهم للبذل والعطاء ويحمِّلهم مسؤولية تصحيح نواياهم ويحررهم من وساوس الخوف من السمعة والرياء. ولكن نُقل عنه كذلك أنه قال في آخر عمره: "لقد ندمت كثيرا على استعمال هذه العبارة وودت لو لم أستعملها".

    إن استعمال الشيخ محفوظ نحناح لكلمة "الطموح المشروع" ثم ندمه على ذلك بعد ذلك يدل على قناعته بشرعية الطموح ابتداء، و لكن باعتبار أن هذه الشرعية لها ضوابط وآداب يجر الظن بعدم احترامها إلى الالتزام بالأحوط صار الشيخ محفوظ لا يحبذ الحديث عن "الطموح المشروع" لِما رأى من تسابق محموم على المناصب والمصالح لم تراع فيه مروءة ولا دين ولا مصلحة عامة ولا فضل سابق ولا ود قائم. ولو رأى ما الذي حدث بعده من صراع عار عن كل اختلاف في الفكرة والرؤية، بل مشحون بكل أنواع الطموحات الشخصية، والخلافات التي أضحت لذاكرته وروحه مؤذية، لما اكتفى بالإشارة الخفية، ولما أمهل من طمحوا فأفسدوا وصاروا مثلا سيئا في البرية.

    غير أنه رغم تحفظات القادة والمربين كأمثال الشيخ محفوظ وغيره بخصوص ظاهرة الطموح يبقى الطموح سببا رئيسيا لصناعة الحياة إذ لا يُتصور أن يقوم في هذه الدنيا شيءٌ ذو بال ليس وراءه عزمُ الطامحين الحالمين وقد يستخدم الله تعالى قوما طامحين يخسروا أنفسهم بطموحهم ولكنه سبحانه يحقق بهم إرادته في إقامة الحق ونصرة البر، وإننا في موضوعنا هذا نريد أن نجمع الحسنيين فنثبِّت مفهوم الطموح كقيمة إيجابية ولكننا نضع له الضوابط والآداب التي تجعله كذلك. إنه لا حرج أن يطمح المؤمن في أن يكون له دور أساسي في الحياة وأن يصل إلى أعلى الرتب بل قد يكون في ذلك نبل وشهامة ولكن الحرج والمحذور والمرفوض أن يطلق الإنسان العنان لرغابته فيطمح دون آداب ولا ضوابط فيضر ويضل وقد يهلك نفسه وإن بدا له أنه ينفعها.

    • لا يكون إلا ما يريده الله

    إن أول الآداب في باب الطموح ترتبط بالجوانب الإيمانية والعقيدية إذ على من يطمح في إنجاز ما يوصله إلى أعلى الرتب أن يعلم بأن ذلك لا يكون إلا بقدر الله وقدره وأنه مهما بذل وكد وتعب لن يتحقق له إلا ما يريده الله فلا داعي لمغالبة ما كُتب في اللوح المحفوظ والذهاب بعيدا في الحرص على المقصود ولو حساب المحبة والدين الأخوة، وكم كان ملهما موفقا الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله حينما جعل لأتباعه جميعا في كل المستويات التنظيمية وردا يقرؤونه كل يوم إسمه "ورد الرابطة" أي "رابطة الأخوة" يتلون فيه أول ما يتلون قوله تعالى: (( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير تولج الليل في النهار و تولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب)) آل عمران 26- 27 وكأنه علم رحمه الله بأن من أعظم ما يهدد رابطة الأخوة الصراع على الملك والرئاسة، مهما كان نوع ومستوى هذه الرئاسة، فأراد أن يتذكروا كل اليوم بأن ذلك في غيب الله وبيد الله فلا داعي أن يضيعوا أخوتهم في ما لا يملكون فيه من الأمر شيئا.

    • اجعل للطموح نية

    والأدب الثاني الذي يجب أن ينتبه له الطامحون هو أن يجعلوا في طموحهم نية صالحة ترضي ربهم وتعظم أجرهم إذ الله قادر أن يهب الدنيا والآخرة فهو المالك الواحد الذي لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، فتصوروا لو أن العالم الغربي "أدسن" مخترع الضوء كان مسلما وكانت له في عمله نية صالحة، كيف يكون مقامه في الآخرة وقد نور على الناس دنياهم، من أراد أن يكون قائدا ورائدا في أي مجال من المجالات الدينية والدنيوية، في الفكر و السياسة، أو في العلم و الثقافة، أو في العمل الخيري و الدعوي، أو في الاتصال والإعلام، أو في المال والأعمال، أو الجهاد والمقاومة، أو غير ذلك من دروب العمل المتعددة، ما عليه إلا أن ينوي صادقا بأنه يريد بذلك فعل الخير أولا وأنه إنما يريد رفعة شرفٍ في مقامات المجد يُعَزُّ فيها الدينُ ويُكرم فيها الإنسانُ، ويقوى بها الحق ويسود العدل، فإن أفلح في ما أراد كانت له حسنات جارية لا ينقطع أثرها (( إنا نحن نحي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم)) ياسين 12 ولو كانت لقمة يضعها في فم زوجته أو إحسانا يمنحه لولده، وهو بعد ذلك مبارك موفق ببركة النية، حيث النية والتوفيق متلازمان تصعد الأولى من الأرض إلى السماء كما ورد في الحديث الشريف وينزل الثاني على أثرها من السماء إلى الأرض، وإن لم يكن له ما أراد فاز بالأجر الأكيد لأن الله يجازي على النية الصالحة وإن لم يتحقق بها عمل وإنجاز.

    • وكن في ذلك متوكلا

    إن العالم بأن الأمر بيد الله يبذل أقصى جهده لتحقيق ما يريد لا يتوانى في ذلك ولا يتردد و مع ذلك يعتقد بأن عمله ما هو إلا سبب إلى النجاح أُمر أن يأخذ به، يتميز به عن الكسالى والقاعدين، وينال به أجر العاملين ولكن لا يغني عنه من الله شيء، فهو إذ ذاك كالفلاح المؤمن يقلِّب الأرض ويزرع البذر ويعتاد الغرس ثم ينتظر السماء أن تمطر برحمة الله غيثا، وهذا هو الأدب الثالث في باب الطموح أن يكون الطامح متوكلا على الله معتمدا عليه موقنا بلطفه وإحسانه محسنا به الظن مرجعا إليه الفضل وفقا لقوله تعالى ((قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا )) يونس 58 وقوله Sad( ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا)) الطلاق 2-3 وقول المصطفى صلى الله عليه وسلمSad( لو أنكم كنتم تتوكلون على الله حق توكله لرزقتم كما ترزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا)) رواه أحمد والترمذي فيكون بذلك حرا وهو يقصد أمره، لا يطمع إلا في ربه ورازقه، عزيزا أمام من جعل الله بيدهم مقصده أو جعلهم حجر عثرة في طريقه لا يخضع و لا يخنع لأحد، إلا ما كان منذ ذلة لمؤمن أو لوالدين ينال بها رفعة في دنياه ومنعة في دينه.

    • دليل التوكل دعاء وتضرع

    من علم حقا أن حاجته عند الله طلبها منه، فهل رأيت مضطرا انقطعت به الأسباب لا يتوجه إلى الله بأخلص الدعاء وأصدق الضراعة بتلقائية تدفعه إليها فطرته قال تعالى: (( وإذا مسكم الضر فإليه تجأرون)) النحل 54 فمن آداب الطموح أن يجعل الطامح العمل والدعاء متلازمان لا يفترقان، يجهد في الدعاء بالتوفيق كما يجهد في العمل لنيل ما يريد، ذاك هو الأدب الرابع، فإن لم يفعل دل ذلك على ضعف عزمه أو اضطراب مقصده، وصدق أحد الصالحين إذ قال: من أعطي الدعاء وفق في العمل. لقد أعد رسول الله صلى الله عليه وسلم العدة كاملة لمواجهة العدو يوم بدر وبعد ذلك رفع يده للدعاء بإلحاح منقطع النظير وتوسل لم ير له مثيل فأعطاه الله ما يريد وكذلك شأنه سبحانه مع كل من يدعوه فهو القائل: (( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم)) غافر 60

    • الشكر والرضا قوة وإيمان


    وفي الأدب الخامس يأتي الشكر على التوفيق والرضا بما قدره الله من تأخير المأمول، فيدل الاتصاف بهما على تمسك الطامح بآداب الطموح مهما كان الحال والتحول. إن كانت التي يحب زاده ذلك تواضعا وأرجع الفضل لصاحبه الذي هو الله الواحد الديان وشكره على ذلك بالحال واللسان واستعمل ما كسب لمزيد من الإنجاز على طريق البر وفضائل الأعمال، كما فعل الحبيب المصطفى في تلك الصورة الجميلة البديعة الملتصقة في الذهن كأفضل لوحة فنية في التاريخ صُورِت لقائدٍ منتصرٍ يدخل الحصونَ المفتوحةَ وهو مطأطئٌ رأسَه على دابته، ساجدٌ لربه على ما منحه من نصر وتمكين، فيصفحُ ويَمنحُ ويذكّرُ وينصحُ ويوحي للناس بأنه لن يكون من "الخالدين" عليه من الله أفضل الصلاة وأزكى التسليم. وإن كانت الأخرى رضي بقضاء الله وسلم لأمره وريما راجع نفسه لعله اقترف ما حجب عنه مقصده، أو لعل أوان التوفيق لم يئن بعد لحكمة يعلمها الله، يخفيها عنه إن شاء أو يظهرها، فيشعر المتصف بهذه الأوصاف بالطمأنينة والاستقرار ويتجنب الأزمات النفسية التي تقضي على كثير من الطامحين والتي تفعل صدماتُها بالمرء أكثر مما تفعله الضربات الحسية المباشرة، ثم ينطلق صاحب هذه الروح المعنوية العالية والخصائص الإيجابية السامية للبحث عن سبل أخرى للنجاح بمقدمات ومخططات وأدوات أخرى غير التي أدت به للفشل في السابق، ولكن بنفس الشروط الإيمانية الأولى أو ربما أفضل منها، لا يعرف اليأس ولا الملل، وهكذا كان حال رسول صلى الله عليه وسلم في كثير من حالات الشدة ومنها حاله بعد هزيمة أحد كيف استطاع أن يستلهم الدروس من الخسارة ثم ينطلق بنفس الجيش المجروح في أحد نحو غزوة حمراء الأسد ليربي الثبات والإصرار في قلوب أصحابه ويَُيئّس المشركين في إمكانية تخليه عن رسالته وطموحه مهما كانت الصدمات التي تصيبه.

    • إنا لا نعطيها لمن سألها أو حرص عليها

    ليس من سمتنا وأخلاقنا أن يطلب المرء المسؤولية ويحرص عليها، هكذا قالها المصطفى عليه الصلاة والسلام ((إنا والله لا نولي هذا الأمر لمن سأله أو حرص عليه)) فهذه هي القاعدة الأصلية التي عليها منهجنا وطريقنا وهي الأدب السادس من آداب الطموح، وإن كانت ثمة استثناءات تدل عليها نصوص وآراء أخرى لها سياقاتها وظروفها ليس مجالها في هذا الباب، فإننا نأخذها بالحذر الشديد ونحتاط لها أشد الحيطة إذ آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرئاسة كما قال بعض أهل السلوك فلا يحتاج الأمر أن نشجع الناس على ما هو متأصل فيهم وما هو سبب في ضياع الوحدة وفساد الأخوة، فإن قيل كيف يستطيع القائد أن يكون قائدا إن لم يكن طامحا للرئاسة فالجواب أن ثمة فرق بين القيادة والرئاسة، فالرئاسة هي منصب في هيكل إداري وقد يكون الرئيس رئيسا ولكنه ليس قائدا، أما القيادة فهي الإمامة التي نص عليها قوله تعالى ((واجعلنا للمتقين إماما)) الفرقان 74 والتي مفادها أن كل مؤمن يستطيع أن يكون إماما وقدوة ودليلا لغيره بلا رئاسة، في أي ظرف أو مكان يكون فيه، أو على أي فن يتميز به، فقد يكون القائد قائدا وهو الرئيس، وهذه الصورة المثلى التي يتحقق بها النجاح غالبا، وقد يكون القائد قائدا دون أن يكون رئيسا، يؤثر ويقود ويغير من أي موقع ينطلق منه بواسطة ما يتميز به من علم وسلوك ومهارة وفاعلية.

    • ارفع مستواك.... لتكون الأجدر بها

    فإن كانت الرئاسة تتحقق بالتولية التي تكون بالغلبة والتآمر أو بالديموقراطية والشورى، أي باختيار العصبة أو الناس الذين قد يصيبون أو يخطئون في الاختيار، فإن القيادة تكون باختيار الفرد ذاته بعد توفيق الله وتسديده إذ يستطيع الإنسان أن يعد نفسه ليكون قائدا كما بينت أكبر نظريات التنمية البشرية وكما قال قبل ذلك رسولنا الكريم : (( إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم ومن يتوخ الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه)) رواه الدارقطني وهو حديث حسن. يستطيع كل واحد أن يقرر بأن يكون قائدا وأن يعد نفسه لذلك بالكد والجد حتى يرفع مستواه علما وسلوكا ومهارة وخبرة وفاعلية، دون استعجال ولا حرق للمراحل حتى لا يصيبه ما قاله ابن عطاء الله السكندري رحمه الله (( من تصدر قبل أوانه عوقب بهوانه)) فلا يطمح في ما لا يحسنه وفي ما يتفوق فيه عليه غيره، حتى لا يستهجن أهل الفضل والعدل جرأته الحائدة ولا يمقته الناس لجسارته الخاطئة، بل يصبر ويواصل الطريق ويصر على إعداد نفسه حتى يتميز على أقرانه في المجال الذي يريده تميزا واضحا يجعل الأعناق تشرئب إليه بلا عناء حيث يكون الأجدر بها إذّاك، وذاك هو الأدب السابع في باب الطموح إذ يوفر الطامح لنفسه البيئة الصالحة لنجاحه ولنجاح من اختاروه وينال بركة الحديث الشريف الصحيح (( يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إلى نفسك، وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها )) فإن شعر بتقصير الناس في إدراك فضله وخطئهم في عدم تقديمه فلا يكن عبدا لهم ولا يحرص على رضاهم بأي ثمن، ولا يشتغل بهم ولا يجعلهم هدفا لسخطه، فيضيع بهم ويضيعون بهم، بل يشق طرقا أخرى للبذل والعطاء وسيجد لا محالة سبلا لذلك يحقق بها أسمى طموحاته، لأنه قائد حقيقي قد كسب من الكفاءة والجدارة من قبلُ ما يؤهله لذلك إذ أعد نفسه ليكون إماما للمتقين وقائدا للمسلمين ولم يشترط على الله أن يكون في هذا الموقع أو ذات فهو السعيد أبدا وهو الموفق أبدا لأن ميثاقه مبرم مع الله خالقه وهو منصفه ومؤيده.

    • طموح بأخلاق

    والأدب السابع الذي يجب أن يتميز بها صاحب الطموح لبلوغ المراتب السامية وتحقيق الإنجازات الكبيرة أن تكون أخلاقه وتصرفاته مع نفسه وتجاه محيطه على سمو طموحه وعلو تطلعاته، والعنوان الأساسي لهذه الأخلاق أن يكون مُؤْثِرا للمصلحة العامة على مصلحته الشخصية مهما كانت التحديات والظروف والصعوبات التي تواجهه أثناء سعيه لتحقيق طموحاته وإنجاز أحلامه. إن الله تعالى لم يمنع على المؤمنين طلب الدنيا والسعي لها بل ثمة من النصوص ما يشجع على ذلك ليكون المسلم قويا نافعا لنفسه ومحيطه ورسالته، ولكنه طلب منه أن يؤْثِر الآخرة على الدنيا في الطلب وفي حالة التعارض بينهما. وهو كذلك الحال بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة فالمجال مفتوح لمن يريد أن يركب المعالي، خصوصا إذا صاحب هذا المقصد نية صالحة، ولكن لا يبرر هذا الطموح بأي حال من الأحوال أن يدمر الطامح ما حوله ليحقق ما يريد، أو أن يصنع الفراغ المهول على جنباته لكي تُرى مكانته وسط الضعفاء، أو أن يرفع السلم بعد أن يرتقي لكي لا يصل غيره لما وصل إليه، كل هذا من الأخلاق الذميمة التي لا تليق بأصحاب النفوس الكبيرة، ومن يفعل هذا لا محالة منكسةٌ أعلامُه في مختتم المطاف ومندثرةُ آثاره في آخر المشوار، مهما حقق ومهما أنجز في مرحلة الزهو والإقبال. إن الطموح السوي هو الذي يحرص صاحبه على تطبيق قاعة رابحرابح التي اكتشفها الغرب في مجال التنمية الإدارية والبشرية بعد أن جربوا الدمار الذي تسببه أنانية الطامحين والقادة والمسؤولين على المصلحة العامة، وبعد أن علموا بالخبرة بأن لا نجاح دائم ولا تنمية مستدامة ولا تطور نافع حتى يعمل الطامحون جميعا على تحقيق الربح للجميع، وهؤلاء الذين اكتشفوا هذه القاعدة ربما لا يعلمون بأن النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام قد علم هذه الحكمة للناس أجمعين قبل خمسة عشر قرنا حينما قال: (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))البخاري. وكم هي كثيرة القواعد التي علمنا إياها الرسول الكريم عليه من الله أفضل الصلاة والتسليم ولكننا عنها غافلون حتى أصبح في الطامحين من المسلمين من ينكر الحق ويشهد الزور ويهد الوحدة وينكر الفضل ويدوس على الأخوة والمروءة والرجولة ويرضى بالذلة ويقبل الدنية في دينه وربما يُعرِّض جماعته ووطنه وأمته لكل أنواع المخاطر إذا كان في ذلك مصلحته وتحقيق مآربه، وهو لا يعلم بأن لا مصلحة خاصة إلا في ظل الحفاظ على المصلحة العامة، ولا معنى لأي طموح شخصي إلا إذا كان في الأخير يصب في إطار المصلحة العامة، وأن الذي يتنازل عن مصلحته الخاصة لحساب المصلحة العامة – إذا وقع التعارض بينهما - ليس صحيح الإيمان فحسب ولكنه كذلك صاحب عقل راجح يعرف كيف يحافظ على فرصه للنجاح الدائم، له ولكل من حوله، إذ بتوالي النجاح وتعدده بين الناس تعظم قيمة كل نجاح .... فما أعظم قيمة الطامح الناجح وسط الناجحين.

    • الخلاصة

    هذه هي آداب الطموح السبعة :
    ـ أن يؤمن الطامح بأن لا تحقيق لطموحه إلا بقدر الله.
    ـ أن يجعل لطموحه نية صالحة.
    ـ أن يكون متوكلا على الله في سعيه لطموحه.
    ـ أن يستعين بالدعاء والتضرع إلى الله لتحقيق طموحه.
    ـ أن يشكر الله على التوفيق وأن يرضى بقضاء الله إذا تأخر ما يريد.
    ـ أن لا يطلب المسؤولية ولا يحرص عليها.
    ـ أن يرفع مستواه لمستوى الطموح الذي يريده.
    ـ أن يؤثر المصلحة العامة ويتصف بالأخلاق الفاضلة أثناء سعيه

    فمن استعملها بارك الله طموحه وسدد طريقه ومن غلبته النفس الأمارة بالسوء فقصد ذاته واتبع سراب الهوى فلا يلومن إلا نفسه إذ قد أعذر من أنذر والله حسيبنا جميعا نسأله الهداية والتوفيق والسداد.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
     
    آداب الطموح ... بقلم الدكتور عبد الرزاق مقري .
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    منتديات حركة مجتمع السلم لرجام - تيسمسيلت  :: المنتدى السياسي :: قسم الأقلام السياسية-
    انتقل الى: