حمس لرجام عاملي
عدد الرسائل : 1902 العمر : 62 العمل/الترفيه : الأنترنت تاريخ التسجيل : 04/09/2008
| موضوع: النّقمة ... بقلم محمد الهادي الحسني الخميس ديسمبر 24, 2009 7:53 pm | |
| الجرائم الكبرى التي ارتكبها أكابر مجرمي فرنسا في الجزائر واعترفوا بها لا يُحصيها إلا جيش عرمرم من الإحصائيين والعادّين؛ وأما الجرائم التي لم يعترف بها الفرنسيون، ولم يُسجّلوها في تقاريرهم، ولم يصرحوا بها في رسائلهم، ولم يشيروا إليها في مذكّراتهم من يوم تدنيسهم أرضنا في سنة 1830 إلى يوم تطهيرها منهم في عام 1962 فهي فوق طاقة البشر، ولا يُحصيها إلا الذي أحصى كل شيء عددا، سبحانه وتعالى. ولا يظنّنّ ظانّ أنني شططتُ في هذا القول، وأسلمتُ عقلي لعاطفة تُصمّ وتُعمِى. وعلى من ظنّ بي غلوّا إلا أن يحاول إحصاء كم عسكري فرنسي مرّ على الجزائر، وكم شرطي ودركي عمل في الجزائر، وكم إداري قضى شطرا من حياته في الجزائر، وكم معمّر عاش في الجزائر.. وما منهم من أحد إلا أذاق جزائريا أو أكثر ضعف الحياة. ولكنّ كبيرة الكبائر، وجريرة الجرائر، هي الجريمة الحضارية التي استهدفت مسخ الجزائريين، و"تجريد (هُم) من جنسيتهم، وتحضيرهم للإنصهار في الجنسية الجديدة (1)"، وذلك ما استنكف منه آباؤنا ورفضوه ولو أطعَمَتْهم فرنسا المنّ والسّلوى، وراسلوا السلطات الفرنسية قائلين "إنهم يفضّلون أن يُحرقوا مع نسائهم وأولادهم على أن يتحوّلوا إلى فرنسيين (2)". لقد ارتكب الأوربيون جريمة إبادة سكان ما صار يعرف باسم أمريكا، وارتكبوا جريمة إبادة سكان ما صار يعرف باسم أستراليا، فلم يبق من هؤلاء وأولئك إلا بقيّة قدّر الله ـ عزّ وجل ـ لها النجاة لتكون شاهدة على هذه الجريمة.. وأما جريمة فرنسا، "لعنة البشرية (3)" كما وصفها مفدي زكرياء، فهي بدع من الجرائم، لم يسبقها إليها سابق، ولم يلحقها فيها لاحق. لم تستطع فرنسا إبادة الشعب الجزائري، ولو استطاعت لما تردّدت، ولما أخذتها به رأفة، وما منعها من ذلك إلا الهبّات الجهادية التي كان يقوم بها آباؤنا.. فلما لم تستطع فرنسا تحقيق أمنية أمانيها بجعل الجزائر خالصة لها؛ انتقمت من الجزائريين انتقاما مستمدا من معدنها، فأطلقت عليهم أوصافا حقيرة كحقارتها، ونُعوتا دنيئة كدناءتِها من مثل: صالْ رَاسْ - بيكو - الشعب الطفل - المتوحش - غير القابل للتربية.. (4). ولقد ظهرت هذه الأوصاف الحقيرة والنعوت الدنيئة عندما أنشأت فرنسا في الجزائر ما سمّته "نظام الحالة المدنية"، أي تسجيل أسماء الجزائريين وألقابهم، حيث ارتكبت فرنسا المجرمة جرائم أشنع من القتل، وأفظع من التعذيب، وأبشع من السرقة، فأطلقت على كثير من العائلات الجزائرية ألقابا بذيئة، مهينة للكرامة البشرية، حتى إنه يتعذّر التلفظ بها.. (❊). وأما العائلات التي أنجاها الله من هذه الألقاب القذرة، فقد أبت اللعنة الفرنسية إلا أن تلحقهم في شكل تشويه كتابة أسمائهم وألقابهم، وكثيرا ما كان ذلك التشويه مُتعمّدا، حيث "كان لنزوات الكتّاب في البلديات الأثر الأكبر في تحريف أشكال نقل الأسماء المشروعة (5)".. ولم يسلم من هذا التحريف والتشويه حتى أسماء الأماكن من مدن، وجبال، وأودية، وسهول.. لقد كانت فرنسا كأنها تسابق الزمان للانتهاء من جريمتها الحضارية قبل أن يحينَ حينُها، وتقوم ساعتها في الجزائر، فانتهت من عملية تسجيل الحالة المدنية في سنوات قليلة، في حين "دامت العملية ما يقارب خمسة قرون (6)" في فرنسا. لقد نبّهني الأستاذ محمد العربي دماغ العتروس ـ ولاشك في أن هذا اللقب دليل على أم جرائم فرنسا ـ إلى أن شعبنا سمّى عملية تسجيل الحالة المدنية "النقمة". ومن معاني هذه الكلمة "العقاب"، والمبالغة في الكراهية، والمبالغة في إنكار موجود.. وكلّ أولئك اختصاص فرنسي، فإن وُجد ما يُشبه ذلك عند غير الفرنسيين فهو تقليد لهم، ومحاولة اقتداء بهم. دفعني إلى التذكير بهذه الجريمة الفرنسية "اليتيمة" (❊❊) ما جاء في جريدة "الشروق اليومي" بتاريخ 17 ديسمبر 2009 (ص 3) من أن الأخ عبد العزيز بوتفليقة "أصدر مرسومين رئاسيين يتضمنان تغيير اللقب لعائلات جزائرية تحمل ألقابا لا أخلاقية، وبعضها إباحية ومُخلّة بالحياء إلى درجة يتعذّر النطق بها أمام عامة الناس". كان الأولى أن تبادر السلطات الجزائرية، بعيد استرجاع استقلالنا، إلى القيام بعملية كبيرة للتخلص من هذه الألقاب، وتصحيح كتابة الأسماء.. وأغتنم فرصة صدور هذين المرسومين للطلب من السلطات المبادرة والمسارعة إلى إجراء هذه العملية، كما يُسرعُ إلى عملية إزالة ورم سرطاني خبيث، وذلك قبل إصدار بطاقة التعريف وجواز السفر الجديدين. لقد حاول الأخ بوعلام ابن حمودة في عام 1980، عندما كان وزيرا للداخلية، أن يصلح ما أفسده الفرنسيون، وأن يطهّر الحالة المدنية الجزائرية من خبثِ الفرنسيين، فشكل لجنة ضمّت نخبة من الأساتذة والإطارات لكي تعرّب وثائق الحالة المدنية، وكان من مهام هذه اللجنة التي تتفرّع إلى لجان ولائية وبلدية أن تصحّح كتابة الألقاب والأسماء كتابة سليمة، لأن بعض الحروف العربية لا يوجد نظير لها في الحروف اللاتينية. وكان من مهامها أيضا إعادة كتابة أسماء المدن كتابة صحيحة ولو بحروف لاتينية، وقد لاحظ الناس أن مدينة قسنطينة مثلا لم تعد تكتب Constantine ولكنها أصبحت تُرسم Quasantina، وكذلك وهران، لم تعد تكتب ORAN ولكنها صارت تكتب Wahran، ومدينة الجزائر Alger أصبحت تكتب El djazair.. وهكذا.. وقد أجهض "خُدّام" فرنسا في الجزائر هذه العملية، وائتمروا بينهم بمنكر، ومكروا مكرا كُبّارا حتى زُحزحَ الأخ بوعلام ابن حمودة من وزارة الداخلية وأعيدت أسماء المدن إلى ما تركتها عليه فرنسا من تشويه.. فمتى نتخلص من هذه "النقمة" التي أفسدت علينا نعمة الله ـ عزّ وجل ـ ومِنّتِه بتطهير وطننا من الخبائث؟ الهوامش: 1) شارل روبير آجرون: الجزائريون المسلمون وفرنسا. ج1 ص 343. 2) المرجع نفسه 1 / 342. 3) اللهب المقدس. ط 1983. ص 165. 4) أنظر محمد العربي ولد خليفة: المحنة الكبرى.. ❊) أنظر بعض تلك الألقاب في كتاب "الألقاب العائلية في الجزائر" لـ: يسمينة زمولي. 5) ش. ر. آجرون: المرجع السابق. 1 / 341. 6) يسمينة زمولي: الألقاب العائلية في الجزائر.." ص 119، وهي تنقل عن مصدر فرنسي. ❊❊) "اليتيمة" ليس معناها "الوحيدة"؛ وإنما معناها "الفريدة" من نوعها، لأن جرائم فرنسا كما أسلفنا لا تعد ولا تحصى | |
|