حمس لرجام عاملي
عدد الرسائل : 1902 العمر : 62 العمل/الترفيه : الأنترنت تاريخ التسجيل : 04/09/2008
| موضوع: أشياء صغيرة تصنع الفرق .... بقلم رئيس الحركة الشيخ أبوجرة سلطاني حفظه الله الثلاثاء فبراير 09, 2010 8:03 pm | |
| مقدمة : لا يوجد إنسان سويٌّ يحب المتشائمين، كما لا يوجد إنسان يرغب في أن يعقد صداقة، من أي نوع، مع فاشل، أو يجالس قوما محبطين كل منهم يشكو بثه وحزنه إلى جلسائه، فالناس يحبون المتفائلين ويصاحبون الصادقين ويجالسون من لا يشكو إلاّ لله، لأن صورة النجاح الحقيقي لأي إنسان يصّنعها هو لنفسه ويعيشها فيمن حوله بما يحسونه فيه من تفاؤل، فالنجاح أبعد ما يكون عن أهل التشاؤم وعن المحبطين نفسيا الذين لا يرون الدنيا إلاّ من خلال نظارات سوداء ويحكمون على كل شيء بالفشل قبل أن يجربوه لا لشيء سوى أنهم فاشلون، ولأنهم كذلك فإنهم يتمنون أن يعم الفشل الناس جميعا.
1- أنت ناجح :
نعم أنت ناجح رغم أنوف الفاشلين، وأنت متفائل رغم سواد المتشائمين، ما دمت تتق في نفسك، والثقة في النفس لا تتعارض مع حالات الضعف التي يمر بها الإنسان أحيانا لأسباب دالة على بشريته، وربما كانت ناجمة عن تفكير سلبي عارض أو وساوس شيطانية تحوم بالنفس أحيانا أو هي شرور نفس جرها هواها إلى لحظة ضعف بشري سرعان ما تنتفض عليها وتطرحها جانبا وتغلق كل أبواب السقوط في طريقها.
فإذا شعرت أنك تمر بمرحلة ضعف فتوقف لحظة واسأل نفسك : ما الذي حدث لي حتى سلبتني الظروف عناصر قوتي ووجدت نفسي في حالة ضعف؟ وسوف تجد أن أسباب هذا الضعف العارض تافهة ولا تستحق مجرد التوقف عندها، وغالبا لن تخرج عن خمسة أمور هي : - إما لأنك فشلت في تحقيق رغبة كنت تتمناها. وحققها غيرك فأصابك الإحباط. - وإما لأنك فقدت صديقا أو عزيزًا أو شيئًا ثمينا فحزن قلبك وسُدت شهيتك. - وإما لأنك عاكستك الظروف ولم تطاوع أمنياتك في حين أنصفت غيرك.. - وإما لأنك اكتشفت –بعد فوات الأوان- أنك كنت تدافع عن الأوهام وتحارب طواحين الريح وتقاتل في جيش مهزوم..إلخ، فندمت على ماضيك وجلست تبكي على ما فاتك من فرص ثمينة كان ب بإ لو أنك اخترت طريقا غير هذا الطريق..
هل هذه الأسباب تستحق الأسى والأسف؟ وهل البكاء على الماضي يجعله حاضرا أو مستقبلا؟ الجواب لا، لأن الذي فات مات، ولأنه مات فإنه لن يعود، وبهذا المعنى فإنه لا يستحق أن نبكي عليه، وماذا ينفع البكاء على مال ضاع، أو زمان غدر، أو خصيم فجر؟ بل ما الفائدة من أن يندب الإنسان حظه لأنه بلا حظ أو أنه صاحب حظ عاثر كلما فتح صفحة للنجاح سبقه إليها الفشل؟ وكلما فتح بابا للخير دخل منه الانتهازيون فأحالوا "مشاريعه" إلى مواعيد عرقوب..
الحقيقة أنه يوجد في تركيبة كل إنسان خليط من نوازع الشر وبواعث الخير، ويستطيع كل ملاحظ أن يعرف النسبة المئوية التقريبية لهذا الخليط في تكوينه من خلال ملاحظة بعض السلوكيات اليومية الصغيرة التي تصنع الفارق بين الفجور والتقوى بتعبير القرآن الكريم: "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها"، فهناك ناس هوايتهم دهدهة الرجيع بالوطيس.. يبحثون بالمجهر عن العيوب في كل مكان، فإن وجدوها ضخموها وإن لم يجدوها افتعلوها واختلقوها وقالوا –كما قال أخوة يوسف (ع)- "إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل" وهناك ناس هوايتهم رش العطر في مضاعن الإبل، يبحثون عن الأسنان البيضاء في فم الكلب الأسود فيتحدثون عن جمال البياض وأنواع المباسم، فإن وجدوا عيبا ستروه وإذا لاحظوا خيرا نشروه، فهم حريصون على زرع الحياة بالجمال، يريدون أن تتطهر الحياة من أدرانها، ويبحثون عن قرائن البراءة في كل شيء جميل ولو كان بحجم شعرة بيضاء في جنب الثور الأسود.
و لك الآن أن تعرف العلامات الفارقة بين صنفين من الناس كلاهما يعيش معنا: - صنف يبحث عن الشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض، لأنه لا يرى إلاّ السواد ولا يهتم إلاّ بالعيوب ولا يرتاح إلاّ إذا اكتشف اعوجاجا صغيرا فيكبره ولو كان بمقداره واحد سنتيمتر في طريق مستقيم طوله مليون كيلو متر !؟ - وصنف يبحث عن الشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود لأنه شاعر بجمال الكون باحث عن مصادر هذا الجمال، حتى لو زاحمتها ملايين صور القبح، لإدراكه أن الظلمة الشديدة يجليها ضوء القمر المنير، وأن العتمة المغلقة يبددها نور شمعه في طول السبابة.
ومن غريب ما يُلاحظ في هذه الدنيا أن الاستقامة لا تظهر مهما كثر أعداد المستقيمين من المتدثرين بالبياض، في حين يلاحظ الناس معوجا واحدا بين مليون مستقيم، لأنه تدثر بالسواد، ذلك أن الاستقامة لا تلفت النظر لأنها فطرية في الناس، بينما الاعوجاج مستفز للمشاعر السوية، وهنا تبدأ الأشياء الصغيرة تصنع الفروق الجوهرية بين جمال الحياة وقبح ما تخفيه النفس البشرية.
ومهما يكن من أمر، فأن صورة النجاح يصنعها الإنسان بالطريقة التي يختارها هو من داخل نفسه وليس من خارجها، وقل مثل ذلك عن السعادة والشقاوة، والفرح والحزن، والصدق والكذب، والرضا والغضب، والخير والشر، والاستقامة والانحراف، والكرم والبخل، والحب والبغض..إلخ، فأنت عندما تحب نفسك مثلا ترى كل ما حولك جميلاً فإذا أبغضتها تراء لك الكون كله أسود، ولا تعجب إذا قلت لك : إن بعض الناس يكرهون كل من حولهم من البشر وما يحيط بهم من الأشياء، ويمقتون كل ما يصدر عن الناس من تصرفات ويتحول كلام الناس إليهم كأنه قرع المطارق في أذانهم، فيعتزلون العالم كله ثم يكتشفون أنهم "يكرهون أنفسهم" ولا يعرفون سبب ذلك لأنهم لا يريدون أن يعترفوا أن فشلهم في حب الناس هو الذي يقودهم حتما إلى واحدة من ثلاث، أو إليها جميعا : - كره جميع الناس وتحميلهم أسباب الفشل والإخفاق - النظر إلى الدنيا من خلال ثقب إبرة - الهروب من تحمل المسؤولية بالقول : لا شيء صالح في هذه الدنيا. ولو واجه هذا الفاشل نفسه بالحقائق العارية لاكتشف أن العيب فيه هو وليس في من حوله، فهو "العورة" التي تشوه جمال الحياة، لأنه هو من اختار أن يضع على عينيه نظارات سوداء فرآى الدنيا من حوله قاتمة، وحرّم على نفسه الابتسامة وحكم على الناس جميعا بأنهم أسباب فشله وشقائه، وأنهم وراء كل ما لحق به من أذى، وليس أمامه إلاّ طريق واحد هو: الانتحار البطيء باصطناع الخصومات مع جميع الناس لأنهم سبب فشله في هذه الدنيا، ونسي أن النجاح قرار فردي داخلي، والإنسان سيد نفسه، فهو الذي يقرر : - أنت ناجح إذا أردت، وتأتي القدرة للتنفيذ. - وأنت فاشل إذا أردت، ويأتي اليأس لينام. والفارق الصغير الذي يفصل بين إرادة النجاح وإرادة الفشل هو ثقتك في نفسك واعتقادك أن الدنيا لا تصنع البطولات ولا الهزائم إنما الإنسان هو الصانع للتاريخ وهو الفارض لحركة الحياة والموجه لموجة التغيير من داخل نفسه بنص الكتاب المبين : "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
2- بشر لا آلهة :
نحن بشر يا أخي نصيب ونخطئ، ونصوم ونفطر، ونقوم وننام، ونرضى ونغضب، ونحيا ونموت..إلخ، ولكن بعض الناس ينصبون أنفسهم آلهة يراقبون حركات الناس وسكناتهم، ويحصون عليهم أنفاسهم، فإذا رأوا منهم خيرا كتموه وإذا لاحظوا سيئة أذاعوها في الناس ونفخوا فيها زبر الحديد، هؤلاء "المتألهون" فاشلون حتى في لعب أدوار الآلهة، التي لا وجود لها إلاّ في أوهامهم، والتي يفترض –لو وُجدت- أن توازن بين المحاسن والمساوئ ثم تصدر حكمها على الفاعلين، أما هذا الرهط من البشر فعيونهم كليلة عن ملاحظة الجمال بينما بصرهم في رصد القبح حديد، وأحكامهم على الناس قاسية، فكثيرا ما تسمعهم يرددون : - فلان لا يصلح، لأنهم ضبطوه متلبسا بجريمة الانتماء لجماعة غير جماعتهم - وفلان إنسان تافه، لأنه رفض أن يسايرهم في ما تعودوا على فعله بالناس - وفلانة امرأة فاشلة، لأنها التزمت بالضوابط الشرعية في التعامل معهم - وفلانة لا صلة لها بالواقع، لأنها تدافع عن الأصالة والهوية..وهلم جرا
ومن أغرب ما تلاحظه في هذا الصنف من الناس أنهم يحسبون الصرامة تكشيرة وجه وتقطيب جبين وتزوية حواجب، فإذا ابتسمت لهم فقدت الصرامة وإذا ضحكت معهم ذهبت منك المروءة، أما إذا تبسطت مع العامة فقد سقطت هيبتك وذهبت أخلاقك أدراج الرياح.
ألم أقل لك إنهم يحسبون أنفسهم "آلهة"، وهم فوق البشر..لا يرون الجد إلاّ غضبا ولا يتعاملون مع البشر إلاّ بمنطق العبوس القمطرير، ولا يرون في الكأس إلاّ نصفها الفارغ، فإذا جاء الخوف رموا بأسلحتهم قبل بداية المعركة وولّوا –من أرض المعركة- هاربين، وسقطت الأقنعة المصطنعة في مياه الاعتذارات الباردة وقالوا "لا تنفروا في الحر" وقالوا: "بيوتنا عورة" وتركوا المقاومة واستسلموا لإحباط مشين وراحوا يلقون باللاّئمة على أتباعهم : خذلونا، تركونا، كذبوا علينا، خدعونا، تنكروا لنا، سحبوا البساط من تحت أرجلنا..وسواها من عكاكيز منخورة عودنا أشباه الآلهة على التوكئي عليها ولهم فيها مآرب أخرى.
هذا الرهط من البشر هم سبب تعكير صفو الحياة لأنهم يعيشون طول حياتهم عالة على الناس يتحدثون عن بطولات ما صنعوها ويمنون على الناس بحسنات لم يفعلوها ويؤرخون لأنفسهم وكأنهم ولدوا قبل آدم (ع) وهم الذين –في نظر أنفسهم- أشرفوا على تأسيس البعثة والرسالة، وهم الذين شيدوا عجائب الدنيا الثمانية.. ولولاهم ما أشرقت شمس وما أنار الدجي ضوء القمر.
الخاتمة :
إن الأشياء الصغيرة هي التي تصنع جمال الحياة وتبعث في أعماق النفس مشاعر السعادة حتى ليحسّ الإنسان أن قلبه يخفق بين جوانحه راغبا في الطيران والتحليق في سماء الكون الواسع مغردا من أغاني الحياة باحثا عن الخير لجميع الناس، هؤلاء هم أصحاب النيات الخالصة الذين ينامون ويصبحون وليس في قلوبهم حبة خردل من حقد على أحد أو حسد لأحد..، وجرب إن شئت ذلك أن تفتح حسابا جاريا في بنك المتفائلين تضيفه إلى رصيدك الأخلاقي في شكل أسهم صغيرة ولكنها سوف تصنع لك كنزا من العلاقات الأخوية لا ينفد لأن عملة التداول فيه صغيرة ولكنها صانعة لأعظم فرق بين أن تعيش وأن تحيا.. جرب أن تضع في رصيدك كل يوم شيئا صغيرا: ابتسم، أفشي السلام، أسال عن حال الناس وعن الجيران، تعلم أن تقول : آسف، معذرة، سامحني.. ومفتاح كل ذلك "وقولوا للناس حسنا"، بل : قل لعبادي يقول التي هي أحسن، وبين الحسن والأحسن تنداح حقول الجمال وخمائل ربيع الحياة الزاهي. | |
|