حمس لرجام عاملي
عدد الرسائل : 1902 العمر : 62 العمل/الترفيه : الأنترنت تاريخ التسجيل : 04/09/2008
| موضوع: المشهد السياسي في الجزائر : تساؤلات المجتمع ومسؤوليات السلطة....بقلم أبوسراج الذهب الخميس مارس 04, 2010 8:41 pm | |
| لا يجب أن يتحول تعاملنا مع الأحداث إلى إستراتيجية ردود الأفعال وبالتالي تجرفنا الأحداث بعيدًا عن مساراتنا الأساسية دولة كنا أو أحزابا ،والإستراتيجية الناجحة هي كالذي يرحج كفة جبل على كفة حجر ،وأما الخاسرة فهي كالذي يواجه جبل بحجر .. سؤال يتكرر لدى الرأي العام في الجزائر ،ويكاد لا يجد له الإجابة الشافية ،وهو ماذا يحدث هذه الأيام ؟هل نحن على مشارف 5 أكتوبر جديد ؟ يستغرب الكثير من الجزائريين ما حدث للمدير العام للأمن الوطني المرحوم علي تونسي ،وتنتشر هنا وهناك التحاليل والأخبار والتساؤلات ،فالطرف الذي يرغب في حدوث تغيير ما أو انتفاضة شعبية ،يربط ما حدث بصراع بين النخب أو العصب أو الأجنحة داخل النظام السياسي ،ويحوم حول ربط ما حدث بملفات الفساد التي تفتح هنا وهناك وفي مؤسسات عملاقة ،كملف سوناطراك وكذا خفض مستوى الاحتفال باليوم الوطني للمحروقات وملف الطريق السيار ،وكذا ما يحدث في بعض المؤسسات المالية والشركات الكبرى ،وتصرحات كوشنير الأخيرة حول جيل الثورة ، حيث أصبحت صفحات الجرائد معبئة بتلك الملفات المفخخة ،والتي تحمل في طياتها قنابل انشطارية ،قد تنفجر في أي وقت سيما عندما لا يراعى في التحقيقات واجب التحفظ وتتسرب الأخبار إلى الإعلام ،وهو بالضبط ما دخلت فيه بعض الصحف من تراشق بالاتهامات بخصوص مقتل المدير العام للأمن الوطني .وطرف آخر يرغب في الاستقرار يحاول إقناع الرأي العام برواية "نوبة الجنون والهستيريا"وربط ما حدث بمجرد نزاع شخصي بين المرحوم والجاني. إن متابعة الوضع في هذه الأيام ،وسبر أغوار التفاعلات السياسية والمالية والاجتماعية ،ومحاولة ربط الأحداث بعضها ببعض ،سواء تعلق الأمر بملفات الفساد او بملف الجبهة الاجتماعية الساخن ،او ملف الإضرابات في قطاع الصحة والتربية وبعض الشركات الكبرى،وعجز الحكومة عن مواجهة هذه الأحداث سواء بالصرامة المعهودة عنها او بفتح الحوار والنقاش الواسع دون إقصاء لأي مكون اجتماعي في البلد ،في مقابل فتح كل الملفات وبدون استثناء وعلى كافة الصعد ،يؤشر هذا إما على ميلاد رؤية جديدة في معالجة القضايا الأساسية للمواطنين ،أو تخبط حكومي ومجتمعي له مآلات خطيرة لا سمح الله ،ما فتأت جهات عديدة تحذر منها وعلى رأسها حركة مجتمع السلم في كل مواقفها وبياناتها . وعلى اعتبار أننا قوم متفائلون بالمستقبل وإمكانية معالجة مختلف الأزمات ،وعودة الدولة إلى الاضطلاع بأدوارها سواء في التحكم في القدرة الشرائية وحماية الاقتصاد الوطني ،وتوزيع العدالة الاجتماعية هو أمر ممكن أيضا ، ولكن وضع الرأس في الرمال ،وانتظار المستقبل دون تحضير خرائط واضحة المعالم قد يؤدي لاسمح الله إلى ما لا نرغب في حدوثه.
ايجابيات المشهد الحالي : أولا حملة مكافحة الفساد :فحملة مكافحة الفساد ،جاءت في وقتها المناسب على اعتبار ان برنامج دعم النمو مابين 2004-2009 وكذا البرنامج الحالي 2010-2014 ،رصدت أموال كبيرة جدا قدرت بـ 400 مليار دولار ،وهو رقم فلكي ، يقتضي صياغة إجراءات ردعية لحماية المال العام من أرباب الاختلاس والرشوة وتوجيه المصادر ،سيما إذا علمنا ان قضايا الفساد التي فتحت في المحاكم وصل إلى إدانة أكثر من 5000 شخص ،كما جاء في تقرير قدمه وزير العدل حافظ الأختام الطيب بلعيز في 11 ديسمبر الماضي، ردا على سؤال شفوي في البرلمان، أن 479 قضية فساد تمت إحالتها على المحاكم خلال السنة المنقضية 2009، أدين فيها 673 شخص، ولاحظ أن عدد قضايا الفساد التي طرحت على المحاكم انخفض بقليل مقارنة مع سنة 2008 التي سجلت بها 807 قضية فساد، أدين فيها 1694 شخص. وأشار تقرير الوزير إلى أنه تم تسجيل ما مجموعه 2691 قضية فساد تم التحقيق فيها وإحالتها إلى المحاكم منذ بدء تطبيق قانون مكافحة الفساد عام 2006، تمت بشأنها إدانة أكثر من خمسة آلاف شخص. فظاهرة الفساد أخذت أبعاد خطيرة جدا ،ومن الطبيعي أن تتحرك الخيوط هنا هناك لمقاومة الحملة ،وإعطائها تفسيرات سياسية تحت مسميات عديدة من تصفية الحسابات الى "الكماشة تأخذ الصغار وتترك الكبار ......". هو الأمر الذي لايقتضي التوقف استجابة لهذه الإرادات ،بل يجب ان تتجمع القوى لتدمير بنيان الفساد المهيكل من القاعدة الى القمة ،فهرم الفساد ليس بيت عنكبوت كما قد يتصور البعض ،يمكن بين عشية وضحاها ان يزال ،بل هو عش للدبابير ،وملجأ لأفعى بسبعة رؤوس ،لا يصلح معه إلا ما جاء على لسان رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في خطابه في افتتاح السنة القضائية 2010 ''إننا لنقف بكل حزم ضد الفساد بجميع صوره وأشكاله. وقد أعددنا من الآليات التشريعية والتنظيمية التي تمكننا من ذلك والتي ستتعزز قريبا بتنصيب لجنة وطنية لهذا الغرض، ولابد أن ينال كل ذي مفسدة جزاءه على يد القضاء وطبقا لقوانين الجمهورية''. ثانيا : حركات الإضراب والاحتجاج :وهي حركات اختفت من الساحة الجزائرية منذ زمن ،ولكن العزاء دائما هو الحالة الأمنية ،والوضع السياسي ،وحالة الطوارئ ،ولكن عودة الاضربات والاحتجاجات تدل على مظهر من مظاهر الحياة في المجتمع ،ينبغي توجيهها الى الاستخدام الأمثل لأسلوب الإضراب الذي هو حق من حقوق الإنسان ومعلم من معالم الديمقراطية وحرية التعبير ،هذه العودة السلمية ينبغي أن تأخذ الدروس من الماضي القريب ،ولا تترك المجال لمن يريد إدخال البلاد في نفق الاضطراب والفوضى ،تحت مسمى لائحة الحقوق المشروعة لأي فئة من المجتمع . ثالثا : سلوك الحكومة مع المضربين : إلى حد الآن هو سلوك جيد في التعاطي مع مختلف الأزمات ،حيث لم تتعامل معها بالقمع المعهود عن الكثير من الحكومات في العالم ،بل راحت تطاوع المضربين وتدقق في المطالب ،وتلبي بعض الحقوق ولو بالتقسيط ،لكن مؤشر التعامل اليوم مع حركات الإضراب كان مؤشرا ايجابيا ،إذا لم يفرغ صبر الحكومة من النقابات ،وتدفع إلى العودة إلى القبضة الحديدية التي لا تنفع أحد ،وهو ما ينبغي أن تتفطن له النقابات وقف سياسة "خذ وطالب " وإبداء حسن النية مع أولياء التلاميذ الذين بدأ ينفذ صبرهم ،سيما مع التسويق الإعلامي الذي عرفته أجور عمال التربية ،كما يجب ان يغفل المضربون على سيادة توجه عام في البلاد عند كل القطاعات العمالية ،وسيكون سلوك نقابات التربية أنموذجا يحتذى من الجميع ،فكلما سادت الحكمة والتعقل وترتيب الأولويات كلما تحقق الهدف وكان ذلك ايجابيا وكلما سادت العنترة ومنطق لي الذراع بواسطة التلاميذ كلما أشهر سيف الحجاج . رابعا : تأكيد التعددية النقابية ميدانيا ،وهو أمر جديد سيما على مستوى التمثيل المطلوب قانونا خاصة فيما تعلق بتسيير أموال الخدمات الاجتماعية واحتكارية حضور الايجيتيا فقط .فقد تأكد ميدانيا التعدد النقابي ،وهو مسار ينبغي أن يصحب بتأسيس حقيقي على قاعدة العمل النقابي الفاعل المبني على رؤية شاملة ،تنخرط فيه كل القوى الشغيلة ،والعبرة بالتمثيل وليس بالتاريخ .وليست التعددية النقابية التي نقصدها بالمفهوم الايجابي هي فقط رفع مطالب ظرفية للعمال بقدر ماهي وظيفة أساسية للمجتمع السياسي في البلاد ،وبهذا المفهوم تستطيع كل القوى العمالية ان تتهيكل في إطار نقابي تمثيلي مسؤول ، سواء على مستوى القطاع العمومي او الخاص ،وهو مسار يجب ان يرافق سلسلة الإصلاحات الاقتصادية في البلاد حتى لا يصبح العامل في الجزائر مجرد خماس عند صاحب رأس المال ،بدون حقوق وواجبات متفق عليها سلفا ،وبهذا توفر الدولة للعامل الإطار الأمثل لممارسة المهنة بشرف وكرامة ،وهو جزء لا يتجزأ من الإصلاح السياسي المطلوب ،الأمر الذي يتطلب التفكير في صياغة قانون جديد للعمل النقابي يحدد الحقوق والواجبات والمسؤوليات ،لان ترك الأمر على الغارب قد يوفر فرص للتمرد والعصيان خارج الأطر التنظيمية للبلد . خامسا : عودة السيادة للجزائر بعد أن فقدت أثناء الأزمة ،حيث ارتهن الاقتصاد الوطني لدى الاتحاد الأوروبي ،والمؤسسات المالية العالمية ،يبرز ذلك من خلال قانون المالية التكميلي لسنة 2009 الذي اتخذ جملة من الإجراءات الاحترازية بخصوص التجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي ،وفرض قوائم سلبية للسلع والخدمات التي تصدر الى الجزائر ومكافحة التقليد فيها ،الأمر الذي اقض مضاجع تلك المؤسسات الدولية وراحت تتحدث عن الخراب المستقبلي ،بإصدار قرارات تتعلق بمراقبة الجزائريين في مطاراتها ،ووضع الجزائر في قائمة الدول المطبق عليها هذا القانون .
سلبيات المشهد الحالي : أولا :غياب البرلمان عن ملف الفساد :في كل الديمقراطيات يمثل البرلمان الجهة المحورية في مكافحة الفساد على اعتبار الحصانة التي يملكها النواب وحقهم القانوني في مراقبة المال العام ومختلف سياسات الحكومة ،لكننا في الجزائر ومن سلبيات المشهد السياسي عندنا أن البرلمان يكاد يكون الوحيد بين كل برلمانات العالم الذي يغض الطرف عن كثير من قضايا الفساد التي تعرفها البلاد، ولم يحدث أن تحرك البرلمان أو مجموعة نواب باتجاه التحقيق في قضايا فساد ظاهرة أو مستترة. قبل اليوم احتج نواب في البرلمان على استعلاء وزراء الحكومة على أسئلتهم الشفوية التي يتضمن بعضها الإشارة إلى حالات فساد وخرق للقوانين، وأشر هذا الاحتجاج على علاقة توتر غير معلنة بين نواب بعض التشكيلات السياسية والوزراء بسبب تحاشيهم للمساءلات والتهرب من الرقابة البرلمانية. وقبلها احتج النواب على وزير الداخلية بشأن رفض الولاة والسلطات المحلية استقبالهم والتعاطي معهم في مختلف القضايا المحلية. وعندما لا يستطيع نواب البرلمان، المكفول لهم دستوريا ممارسة الرقابة الشعبية، تحصيل حقوقهم في ممارسة صلاحياتهم على الولاة والوزراء، يكون من غير الممكن لهم إثارة قضايا فساد أو امتلاك القدرة على التحقيق فيها، خاصة في ظل تداخل الحسابات السياسية مع هكذا قضايا. ثانيا : خشية تحول الإضرابات إلى معارك لي الأذرع بين النقابات والحكومة ،وبالتالي إعطاء الذريعة بمنع الإضرابات وتأسيس النقابات والتراجع عن المكاسب المحققة ،تحت مسمى حالة الطوارئ،او أن تخترق هذه النقابات من طرف قوى في الداخل والخارج من اجل تقويض الاستقرار الذي دفعت من اجله الجزائر ثمنا باهضا من الأرواح والأموال . ثالثا : التقارير التي بنيت عليها نتائج الثلاثية ،هي تقارير لا تصمد أمام الواقع الذي تشخصه الاحتجاجات في كل مكان ،وكأني بالمجتمع عندما سمع بأن هنالك مبلغ مالي يقدر بـ200 مليار دولار رصد للتنمية ،فكل واحد يريد أن يأخذ حقه من الريع ،سيما عندما يسمع بأرقام فلكية تنهب من المال العام سواء في البنوك أو المؤسسات . رابعا : الضياع التربوي الذي يميز يوميات التلاميذ في المدارس والمتوسطات والثانويات ،في مقابل عدم القدرة على الاستدراك ،ينتج عنه تسهيلات في الامتحانات وبالتالي الحصول على شهادات فاقدة للشرعية العلمية ،وهو أمر ستدفع ضريبته الجزائر ليس اليوم ولكن في المستقبل القريب . خامسا : بروز حيرة اجتماعية كبيرة ،سيما بعد المشهد الغريب الذي اغتيل به المدير العام للأمن الوطني ،وبروز منطق" نوبة الجنون "في مقامات عالية من المسئولين في الدولة ،وهو أمر خطير جدا ،على مستقبل البلاد ،حتى لو كان الحدث شخصي ومعزول كما جاء في الرواية الرسمية .
المسؤوليات مسؤولية السلطة :تبدأ بقراءة جديدة للتحولات الاجتماعية التي تحدث في المجتمع ،واعتماد أولوية الحوار الاجتماعي بين أطراف الساحة ،وبحث الحلول بعيدا عن منطق حالة الطوارئ ،من خلال الاستفادة من التجارب السابقة ،وفتح مجال المبادرة أمام المجتمع المدني والسياسي للمساهمة في معالجة الوضع وتطويق بوادر ما يمكن أن يستشرف من اضطرابات وقلاقل نحن في غنى عنا ،بفتح الإعلام الثقيل "التلفزيون" أمام النخب المجتمعية السياسي منها والثقافي ،واعتماد سياسة الميكروفون المفتوح أمام الشعب ،للمساهمة في توضيح الرؤية ،وامتصاص الغضب ،وتوجيه الاهتمامات نحو ما ينفع الدولة والمجتمع . مسؤولية الطبقة السياسية :تبدأ بضرورة الخروج من تسيير الأزمات الداخلية والانكفاء على الذات ،والمساهمة في تأطير فئات المجتمع ،من خلال المبادرة السياسية ،والنزول الميداني ،وتعميق أواصر العلاقة بين المجتمع ونخبه وممثليه سواء كانوا برلمانيين أو منتخبين في الجماعات المحلية . مسؤولية الإعلام :أصبح الإعلام اليوم الرقم الصعب في بناء او تقويض المجتمعات ،الأمر الذي يقتضي استعجال صياغة قانون للإعلام يضبط العلاقات ويحدد المسؤوليات ،ويتيح فرص التعبير والاتصال،بعيد عن صحافة الإثارة وتصفية الحسابات ،ودكاكين نشر الإشاعة والأراجيف . مسؤولية المجتمع : كبيرة ومحورية تبدأ من تحمل مسؤولية الاختيار في الانتخابات ،وتنطلق نحو رعاية ثوابت المجتمع ،وتربية النشء عليها،والمساهمة في تجسيد مفردات دولة الحق والقانون ،وعدم الانجرار وراء دعاوى الفوضى والتخريب . | |
|