حمس لرجام عاملي
عدد الرسائل : 1902 العمر : 62 العمل/الترفيه : الأنترنت تاريخ التسجيل : 04/09/2008
| موضوع: المدافعون عن المآذن .... بقلم البروفيسور بشير مصيطفى الخميس مارس 11, 2010 3:27 pm | |
| تنعقد بالجزائر، بداية الأسبوع المقبل، ندوة دولية كبرى في موضوع "ازدواجية المعايير في تطبيق إعلان حقوق الانسان ـ حالة منع بناء المآذن في سويسرا". الندوة من تنظيم الاتحاد الوطني للإطارات الجزائرية بالتعاون مع الملتقى العام للمنظمات الأهلية العربية والافريقية ومن المنتظر أن يشارك فيها حقوقيون وأكاديميون ونشطاء من المجتمع المدني من داخل الوطن وخارجه. ويأتي ذلك تزامنا مع الحملة الدولية لمناصرة الجاليات الإسلامية في أوربا عقب مقتل الطبيبة المصرية مروة الشربيني في ألمانيا شهر أكتوبر الأخير والاستفتاء الشعبي في سويسرا المعادي لبناء المآذن شهر نوفمبر. فماذا يعني أن تعرض قضية المسلمين في سويسرا على بساط المعالجة القانونية؟ وهل حان الأوان لفهم إشكالية الحريات الدينية من منظور الحقوق والتسامح؟ الخوف من الاسلام أو "الإسلاموفوبيا" تراجع الاتحاد السوفييتي بدءاً من بداية الثمانينيات من القرن الماضي ثم هوى العام 1991 على وقع التسيير البيروقراطي للدولة وخطأ الاختيارات الاقتصادية، وبسقوط هذا الصرح التاريخي الذي ولد من رحم الثورة البلشفية العام 1917 بدأ أفول الحرب الباردة التي شغلت الغرب لفترة طويلة حتى أنست الرأي العام في الساحة الأوربية المشاهد التاريخية المشتركة بينه وبين العالم الاسلامي ولاسيما مشهد الصراع الاسلامي المسيحي إبان القرون الوسطى؛ مشاهد طوتها حقبة الاستعمار الأوربي للساحات العربية والإسلامية ثم أيقظتها فترة ما بعد الحرب الباردة. ويشكو الغرب المسيحي من عقدة التفوق الإسلامي في الأندلس طيلة 8 قرون كاملة أبهر خلالها المسلمون البشرية كلها بإنجازات فكرية وفلسفية وأدبية وعمرانية وعلمية كبرى، ساعدت على انتشار القيم الاسلامية في المحيط الداخلي للحضارة المادية الغربية، ولم يجد الغرب المسيحي من وسيلة للتنفيس عن تلك العقدة سوى استغلال ضعف الدولة المسلمة في غرناطة بالأندلس بدءا من العام 1492 للميلاد لإطلاق حملة إبادة جماعية أنهت الوجود الاسلامي في أوربا بواسطة محاكم التفتيش الشهيرة. وبين محاكم التفتيش واستفتاء منع بناء المآذن في سويسرا العام 2009 وجه تشابه مهم. فكلاهما تعبير عن الخوف من الاسلام في بعده النفسي والعداء للمسلمين في بعده التقني، وسبقت سويسرا فرنسا في التضييق على النقاب وسبقت فرنسا تركيا العلمانية في منع الحجاب وسبقت تركيا بريطانيا في إنتاج مصطلح "الإسلاموفوبيا" وسبق الجميع الاتحاد السوفييتي في ضم الجمهوريات الاسلامية من آسيا إلى المحيط الأوربي المسيحي ومنع إقامة مساجد الصلاة والحظر على تلاوة القرآن الكريم. تطبيقات حقوق الإنسان أو الكيل بمكيالين ألف القس البريطاني "هنري ستوب" كتابا منصفا عن حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم العام 1886 فتم حجزه ومنع نشره إلى غاية العام 1911، وكتب سلمان رشدي كتاب "آيات شيطانية" تعبيرا عن النظرة الغربية للإسلام العام 1988، فمنحته بريطانيا جائزة فخرية. وكتب المؤرخ البريطاني الشهير "ديفيد إرفينج" عن خرافة "الهولوكست" فعاقبته النمسا العام 2006 بالسجن 3 سنوات بتهمة الإساءة لليهود، ونشرت الصحيفة الدانماركية "يولند بوستن" رسوما مسيئة للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم فلم يحرك الغرب ساكنا، بل اعتبر احتجاجات المسلمين عن تلك الرسومات عاملا مناقضا لحرية الفن والتعبير. والأمثلة عن الكيل بمكيالين في المرافعة لأجل حقوق الانسان وتطبيقات القانون الدولي كثيرة وربما كان آخرها قرار الحكومة الاسرائيلية الشهر الماضي ضم مسجد الحرم الإبراهيمي لتراث الاحتلال الاسرائيلي على مرأى من اليونيسكو وهيئات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي دون حراك، بينما يحكم القضاء على المفكر الفرنسي "روبرت فوريسون" بالسجن، لأنه أنكر خرافة غرف الغاز التي يعتبرها اليهود جزءاً من تاريخهم المضطهد. وهكذا، يتساوى في رأي المجتمع الدولي ـ الذي يهيمن عليه الغرب بمؤسساته وأدواته ـ الضحية والجلاد وتتحول الحريات الفردية في بعض المجتمعات الغربية إلى ساحة للمساومة ولكن من منظور قيمي بحت يتخذ من المواثيق والإعلانات الدولية وسيلته لتحقيق بعض الهيمنة. نهاية التسامح قال المؤرخ الألماني الكبير جرهارد أرمانسكي: "لم تنتج البشرية قدرا من الطاقة التدميرية كالذي أنتجته أوربا"، وهذا صحيح لأن المجتمعات التي احتلها الرجل الصناعي في العصر الحديث وقع لها ما وقع للهنود الحمر في أمريكا عندما داهمهم الرجل الأبيض العام 1492 للميلاد، فأتى على توازنهم الأنثربولوجي وطردهم إلى الأدغال والجبال وقتل منهم 112 مليون نسمة. ونفس الشيء وقع مع المجتمعات الإفريقية والعربية والإسلامية التي ورثت التخلف من هيمنة الغرب على مقدراتها الثقافية واللغوية والاقتصادية. وفي مقابل تلك القدرة التدميرية مايزال المسلمون يقدمون للغرب أسمى آيات التسامح والحوار. وفي الوقت الذي تستفتي فيه سويسرا شعبها بشأن بناء المآذن وتفكر هولندا في فرض رسوم ضريبية على ارتداء الحجاب، يكشف لنا تاريخ الجزائر أن حاكم بجاية العام 1076 للميلاد، الناصر بن علناس، وفي أوج قوة الدولة الحمادية، أرسل إلى بابا الكنيسة جريجوري السابع يطلب إليه إيفاد قسيس للصلاة بالنصارى في عاصمة الدولة الحمادية. ويذكر المؤرخون أن الأقليات الدينية من يهود ونصارى لم تنعم بالأمن والسلم كالذي نعمت بهما بين المجتمعات المسلمة، وعندما شرعت اسبانيا العام 1492 في إبادة سكان الأندلس لم يجد أهل الكتاب من اليهود سوى بلدان شمال إفريقية المسلمة للجوء إليها ولازالت بقايا منهم الى الآن حاضرة في مدن مغاربية كثيرة. وبسطت جل الحكومات العربية والإسلامية يدها للحوار بين الأديان ولازالت المؤتمرات تعقد في هذا الإطار على مدار السنة حتى لوحظ عليها الإفراط في التنازل للطرف الآخر تحت مظلة التسامح التي يبدو أنها تميل أكثر لصالح الغرب. إن تحكيم الرأي العام الغربي في موضوع ممارسة الشعائر الدينية للمسلمين والظهور بمظهرهم الثقافي المتميز، مؤشر خطير على عودة اليمين المتطرف للساحة الأوربية عبر ورقة الجاليات المسلمة وإحياء للمشاهد المسيئة للتسامح الديني في تاريخ الغرب بدءاً من محاكم التفتيش إلى فرض ضرائب على ارتداء الحجاب. فهل تنجح ندوة الجزائر عن ازدواجية المعايير في تطبيق إعلان حقوق الانسان ـ الأسبوع المقبل ـ في الدفاع عن المآذن التي استهدفها استفتاء سويسرا؟. | |
|