الملخص
تعد شبكة الإنترنت من أهم الابتكارات التي توصل إليها العقل البشري في
مجال المعلوماتية منذ أواخر القرن المنصرم، حيث أزالت الحدود الجغرافية
بين الدول وساعدت في تحويل العالم إلى قرية صغيرة، وفي هذا السياق ظهرت
وتطورت التجارة الإلكترونية، وأصبحت الإنترنت من أهم الوسائل التي يتم من
خلالها إبرام العقود الإلكترونية.
يمكن
تعريف العقد الإلكتروني بأنه الاتفاق الذي يتلاقى فيه القبول بالإيجاب على
شبكة دولية مفتوحة للاتصال عن بعد، بوسائل مسموعة ومرئية تخلق تفاعلاً بين
الموجب والقابل، وهذه الوسائل غير مقتصرة على الإنترنت وخدماتها المتعددة،
بل تشمل وسائل اتصالات إلكترونية أخرى كالفاكس والتلكس والفاكس ميل
والهاتف، فهذه الوسائل التي ينعقد العقد الإلكتروني خلالها من أهم الخصائص
التي تميزه عن العقد التقليدي. وعلى اعتبار أن هذا العقد ينتمي لزمرة
العقود المبرمة عن بعد والتي تنعقد بوسائط إلكترونية دون تواجد مادي
للأطراف فإن إثباته ووفائه يتم بطرقٍ خاصةٍ مختلفةٍ عن العقد التقليدي.
تتحقق
صحة العقد الإلكتروني بتحقق صحة أركانه: المحل والسبب والرضا والأهلية
التي تنتظم بذات إطار القواعد العامة المنظمة للعقد التقليدي مع بعض
الخصوصية لهذه الأركان، لعدم اتساع نطاق القواعد العامة؛ لتستوعب أهلية
المتعاقدين إذ يصعب التأكد من هوية الأطراف المتعاقدة وأهليتها، وعليه ظهر
إلى حيز الوجود التوقيع الإلكتروني وجهات التصديق الإلكتروني لمحاولة سد
الثغرات في هذا النطاق.
عادةً
ما يسبق انعقاد العقد الإلكتروني مرحلة التفاوض التي يتم فيها تبادل
الاقتراحات والمساومات وتعرف بالفترة قبل العقدية علماً بإمكانية إبرام
العقد دون المرور بهذه المرحلة، وقد ثار خلاف حول طبيعة المسؤولية
المترتبة على قطع المفاوضات فيما إذا كانت تقصيرية أم عقدية، كما ثار خلاف
حول الطبيعة القانونية للعقد الإلكتروني فيما إذا كانت عقد إذعان أم عقد
رضائي، وتتحدد هذه الطبيعة بالطريقة المتبعة في إبرام العقد على شبكة
الإنترنت فالعقود المبرمة عبرها عادةً ما تكون عقود إذعان وبخاصة تلك التي
تنعقد عبر شبكة المواقع (الويب) أما العقود المبرمة عبر البريد
الإلكتروني أو المحادثة مع المشاهدة فتكون عادةً عقوداً رضائية.
ينعقد
العقد الإلكتروني بتراضي طرفيه ويتوقف وجود التراضي على تلاقي التعبير عن
إرادتين متطابقتين بصدور إيجاب للتعاقد وقبول لهذا الإيجاب بإحدى طرق
التعبير، ومن هذه الطرق وفقاً للقواعد العامة التعبير بواسطة اللفظ
والكتابة والإشارة المتداولة عرفاً أو باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً
في دلالته، وهناك صور خاصة للتعبير عن الإرادة عبر الإنترنت في العقد
الإلكتروني وهي التعبير عبر البريد الإلكتروني وعبر شبكة المواقع (Web)
وكذلك عبر المحادثة المباشرة مع المشاهدة، وبالإمكان استخدام رسائل
البيانات الإلكترونية للتعبير عن الإرادة عبر هذه الصور إضافةً إلى بعض
الطرق الأخرى التي نظمتها القواعد العامة.
الإيجاب
الإلكتروني لا يختلف في جوهره عن الإيجاب التقليدي سوى في الوسيلة
المستخدمة فقط للتعبير عنه، وتبرز أهمية التفرقة بين الإيجاب والدعوة إلى
التفاوض في تحديد ما إذا كان بالإمكان الرجوع عن الإيجاب، حيث أن اقتران
الإيجاب بقبول يؤدي إلى انعقاد العقد ولا يتمكن الموجب من الرجوع عن
إيجابه، بينما في حالة الدعوة إلى التفاوض يظل من حق المعلن الرجوع عن
إعلانه حتى لو اقترن بقبول، وهناك شروط للإيجاب الإلكتروني، منها أنه يجب
أن يكون موضحاً وموجهاً إلى شخص بعينه أو أشخاص معينين وأن يكون باتاً
ومحدداً تحديداً كافياً.
كما
تطبق القواعد العامة على الإيجاب الإلكتروني فإنها تطبق كذلك على القبول
الإلكتروني في تنظيمه، وهناك طرق خاصة للقبول الإلكتروني تتماشى مع طبيعة
العقود المبرمة عبر شبكة الإنترنت. منها تقنية التحميل عن بعد والضغط على
الأيقونة الخاصة بالقبول وذلك بملء الفراغ المخصص بإحدى العبارات التي
تعبر عن القبول. وقد يكون التعبير عن القبول صراحةً أو ضمناً، أما السكوت
فلا يعتبر قبولاً إلا في حالات استثنائية وهذا الفرض يصعب تطبيقه على
العقود المبرمة عبر الإنترنت.
سار
المشرع المصري والأردني في القانون المدني على نهج الفقه الإسلامي فيما
يتعلق بمجلس العقد، حيث أعطى القابل فترة معقولة من الوقت لإعطاء قبوله
دون التراخي المؤدي إلى الإضرار بالموجب، وتكمن أهمية مجلس العقد في تحديد
مكان وزمان التعاقد وكذلك معرفة المحكمة المختصة، إذا ما ثار نزاع بشأن
العقد والقانون الواجب التطبيق.
ينقسم
مجلس العقد إلى نوعين، حقيقي وحكمي، فالمجلس الحقيقي هو المجلس الذي يجتمع
فيه المتعاقدان في مكان واحد ويكونان على اتصال مباشر بحيث يسمع كلاً
منهما الآخر مباشرةً دون انشغالهما بشاغل، حيث يبدأ بالإيجاب وينتهي بالرد
قبولاً أو رفضاً أو ينفض دون رد، والمجلس الحكمي هو المجلس الذي يكون أحد
المتعاقدين غير حاضرٍ فيه، وهذا غالباً ما يكون عليه مجلس العقد
الإلكتروني.
يعد المعيار الزمني الأنسب والأكثر مرونة للتمييز بين هذين النوعين من
التعاقد لاستطاعته مواكبة التطورات الحاصلة على أرض الواقع في وسائل
الاتصال الحديثة، وبهذا أُعتُبِر مجلس العقد عبر الهاتف وما يماثله عموماً
تعاقداً بين غائبين من حيث المكان وحاضرين من حيث الزمان، كما أُعتُبِر
مجلس العقد عبر الفاكس وما يماثله تعاقداً بين غائبين من حيث الزمان
والمكان، أما بالنسبة للتعاقد عبر شبكة الإنترنت فيختلف الحكم وفقاً
للصورة التي يتم بها التعاقد، فالتعاقد عن طريق البريد الإلكتروني يكون
عادةً تعاقداً بين غائبين من حيث الزمان والمكان، عدا حالة الاتصال
المباشر عبر البريد الإلكتروني بدون فاصل زمني بين صدور القبول وعلم
الموجب به، فيكون عندها التعاقد بين حاضرين من حيث الزمان وغائبين من حيث
المكان، وفي حالة التعاقد عبر شبكة المواقع فيكون التعاقد بين غائبين من
حيث الزمان والمكان، أما التعاقد بواسطة المحادثة المباشرة مع المشاهدة
فيكون التعاقد بين حاضرين من حيث المكان والزمان وإذا تم استخدام الكتابة
فقط ولم يكن هناك فاصل زمني بين إرسال الرسالة وعلم الطرف الآخر بها للرد
عليها برسالة فورية أو اتصال شفوي، فعندها يعتبر التعاقد بين حاضرين من
حيث الزمان وغائبين من حيث المكان، أما في حالة وجود فاصل زمني بين إرسال
الرسالة والعلم بها للرد عليها فعندها يعتبر تعاقداً بين غائبين من حيث
الزمان والمكان، وهذه الصورة الأخيرة تنطبق على إرسال الرسائل النصية
القصيرة بواسطة الهاتف النقال.
ونتيجةً
لما أثاره مجلس العقد من إشكالية تحديد زمان ومكان انعقاد العقد فقد ظهرت
حلولاً فقهية وتشريعية لحل هذه المسألة على اعتبار أنها من أكثر المشاكل
التي واجهت التعاقد بين غائبين. وتمثلت هذه الحلول بالنظريات الأحادية
والثنائية، فالنظريات الأحادية هي التي لا تفصل بين مسألة زمان ومكان
انعقاد العقد وتجسدت بنظرية إعلان القبول، تصدير القبول، استلام القبول
والعلم بالقبول أما النظريات الثنائية فهي التي لا ترى تلازماً بين زمان
انعقاد العقد ومكانه وتتجسد في نظريتين تبناهما الفقيهان مالوري وشيفاليه
هذا وقد اختلف موقف التشريعات الدولية والوطنية من هذه النظريات.
النص الكامل
http://www.najah.edu/modules/graduates/graduates.php?hint=2&id=5171604&l=ar