حمس لرجام عاملي
عدد الرسائل : 1902 العمر : 62 العمل/الترفيه : الأنترنت تاريخ التسجيل : 04/09/2008
| موضوع: مرافعة من أجل الانفتاح .... بقلم الأستاذ محمد جمعة . الثلاثاء مارس 23, 2010 10:45 pm | |
| من يعرف الحركات الإسلامية عن كثب،يدرك أن تغيرات جوهرية طرأت على قاعدتها الشعبية،من حيث الكم والكيف،إذ لم تعد تعكس المجتمع بكل أطيافه و فئاته كما كانت سابقا،وهي الميزة التي تفوقت بفضلها على غيرها من الأحزاب والحركات ، التي قامت كلها على أسس طبقية أو جهوية أو عرقية أو فئوية أو زبائنية . خريطة الترشيحات لانتخابات 2002 و 2007 تظهر ذلك جليا،حيث لم ترشح الحركات الاسلامية في ثلث المجالس البلدية للقطر الجزائري،و نتائج انتخابات هذين الإستحقاقين، التشريعية منها و المحلية ، تؤكد هذه الحقيقة ، فبالإضافة إلى تراجع الوعاء الانتخابي لهذه الحركات مقارنة بانتخابات 90 ،91 و97 من القرن الماضي،هناك انكماش شعبي في منطقة القبائل،والطوارق،و بدرجة أقل في الشرق ،ومن يفحص جيدا القاعدة الاجتماعية لمناضلي هذه الحركات، يكتشف أنها تكاد تقتصر على فئات بعينها،هي الفئات الوسطى الورعة كما وصفها أحد أساتذة علم الاجتماع ،مع تسجيل غياب شبه كلي لفئات اجتماعية أخرى،كالفلاحين وصغار التجار والحرفيين والبطالين و العوام من الناس ، علما أن هذه الفئات كانت تعتبر سابقا القوة الضاربة لهذه الحركات ورافدها الأساسي . مع وجوب التنبيه أن هذا الانكماش يقتصر على المشهد الحزبي والانتخابي فقط ،دون المشهد الإسلامي العام الذي تعاظم شأنه و أزداد توغلا في المجتمع الجزائري . عوائق الانفتاح: في الحقيقة لا يوجد أي مبرر شرعي ،أو سياسي، أو ثقافي ،أو اجتماعي لهذه الظاهرة،و لكن هناك عدة أسباب تفسرها و لا تبررها: أولا:غلق المجال السياسي و إفراغه من محتواه،و التلاعب بأصوات الناخبين والتيئيس من التغير ، دفع بقطاعات واسعة من المجتمع إلى الانسحاب من المشهد الحزبي والانتخابي من تلقاء نفسها ،ومقاطعة الانتخابات التي تصفها بالعبثية،والتوجه إلى البحث عن الحلول الفردية أو البديلة،كالطرق الصوفية أو الجماعات السلفية التي تنأى بنفسها عن السياسة ،و تتبنى مقولة "من السياسة ترك السياسة".
ثانيا: ولكن هذا يفسر جزءا من الظاهرة و ليس كل الظاهرة ، فالجزء الأكبر يقع على عاتق الأحزاب ذاتها ،التي غلّقت أبوابها في وجه هذه الفئات، بحجة الخوف من الاختراق،أو التميع أو التسيب ،أو الانتقاء أو التربية ، أو الزعم أنها دعوة و جماعة قبل أن تكون حزبا، وغير ذلك من الحجج التي لا تصمد طويلا أمام التمحيص و التدقيق،و التي يمكن تفنيدها بسهولة بالأدلة الشرعية والعقلية. فعلى هذه الأحزاب إن كانت فعلا تصدر عن الإسلام،وتسير على هديه،و تريد الحافظ على مكانتها كقوة فاعلة في المجتمع أن تراجع نفسها ،وتحسن الظن بالمجتمع ،وتنفتح أكثر على التجارب الناجحة، و تكف عن سياسة التقوقع و الاستغراق في الذات ، لان ذلك سيفضي على المدى الطويل إلى مزيد من التقهقر، و التحول تدريجيا إلى ما يشبه الفرقة،أو الطريقة أو ما يسمى بالفرنسية ب" la secte". فالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام قدوتنا،بعثه ربه للناس كافة، و كان منفتحا على الناس،مخالطا لهم ،مستوعبا للجميع دون تميز للون و لا عرق ولا لسان ولا طبقة، يعرض نفسه على الحجيج،يغشى نوادي قريش، يدعو القبائل،يراسل الملوك،يطلب النصرة و من يمعن النظر في التركيبة الاجتماعية للرعيل الأول، يكتشف أنها كانت ممثلة للمجتمع المكي برمته،تضم المرأة و الرجل،الطفل والعجوز،العبد والسيد ،الراعي والتاجر،الغني والفقير،بل ضمت إلى جانب أبي بكر العربي ، بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي رضي الله عنهم جميعا ،لا فضل لهذا على ذاك إلا بالتقوى.
ثالثا:و منها أسباب أخرى خفية ، و إن كانت محدودة ،تحركها أنانيات شخصية و استراتيجيات فردية،ترفض الانفتاح خوفا على بعض المواقع و المكاسب، التي تتوهم أن الوافدين الجدد سوف يزاحمونها عليها.و إن كانت لا تفصح عن ذلك،وتحاول أن تصطنع بعض المبررات للتستر عن النوايا الحقيقية و التملص من استحقاق الانفتاح.
ربعا: و لكن العائق الأكبر أمام الانفتاح ليس الدين و لا السياسة ولا القانون و لا المال ولا التنظيم،وإنما الإنسان،أو بالاحرى الثقافة و العادات والذهنيات.و من المعلوم أن تحريك الجبال أهون من تغيير العادات والذهنيات.فالتدافع إذا بين دعاة الانفتاح و مناهضيه سيكون فكريا وثقافيا، ومصير بعض الحركات الإسلامية رهين نتيجة هذا التدافع.
شروط الانفتاح:
تقف الحركات الإسلامية اليوم على مفترق الطرق أمام خيارين : * إما أن تجدد الالتحام بالفئات الشعبية ، و عندئذ يمكن أن تواصل مسيرتها الرسالية حتى تنجز أهدافها و تمكن لمشروعها. و لكن هذا الأمر لا يتحقق بمجرد الأماني ،وإنما لابد من توفر بعض الشروط كي يكتب له النجاح ،أبرزها أربعة:
1 ـ جاذبية الفكرة : لقد تعرضت الفكرة الإسلامية خلال العقدين الأخيرين للاختراق و التشويه . و تورط بعض المنتسبين إليها عن قصد أو جهالة ، في مطبات العنف والإرهابو التطرف والتزمت و النزاع والفرقة، فانفضت عنها جراء ذلك كثير من الفئات،ولن تستعيد بريقها ورونقها إلا بعد تصحيح هذه الأخطاء. والعودة إلى سالف عهدها في الانحياز إلى الشعب و تبني قضايا الأمة : الهوية،الإسلام،العربية،الشورى،الديمقراطية،العدل، التنمية،والتصدي للاحتلال والتغريب و الظلم و الفساد و الاستبداد.والقول لا يكفي طبعا بل لابد من تقديم كل ذلك في شكل رؤى و برامج وحلول حقيقية. 2ـ قوة الخطاب : ينبغي أن يكون الخطاب منسجما مع الفكرة و الممارسة وفيا لهما،يستعمل كل اللغات:الفصحى و الدارجة،الفرنسية و الانجليزية،و كل الآليات:الصوت و الصورة و الكلمة،و عبر كل الوسائط الإعلامية:الكتاب،الجريدة،القرص،التلفيزيون،الإذاعة،الانترنت 3ـ أهلية القيادة: التي ينبغي أن تتوفر فيها صفتان:الكفاءة و الأمانة لقوله سبحانه وتعالى"يا أبتي استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين"و قوله "اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ"إضافة إلى الجمع بين النظري و العملي و قوة التفكير والتنظير،إلى جانب قوة التنفيذ و الإنجاز لقوله تعالى" و اذكر عبادنا إبراهيم و إسحاق و يعقوب أولي الأيدي و الأبصار". قال بعض العلماء"الأيدي قوة التنفيذ و الأبصار قوة التدبير". 4ـ مرونة التنظيم: التنظيم وسيلة لتجميع الطاقات واستغلال الإمكانات وتحديد المسؤوليات والصلاحيات، واقتصاد الجهود و الأموال و الأوقات،و ليس غاية في حد ذاته،وينبغي أن يتكيف مع الأحداث و يطوع وفق الظروف و الاحتياجات،فمرحلة التأسيس غير مرحلة المؤسسة،ومرحلة السرية التي قد تقتضي التشدد و التكتم غير مرحلة العلنية التي تستوجب الانفتاح و الشفافية. تحوز الحركة الإسلامية اليوم على نخبة متميزة كما و نوعا،و لكنها نخبة من دون قاعدة و قيادة من دون مناضلين. فالانفتاح ضروري لاستدراك هذا النقص،و ينبغي أن يستهدف الجميع إلا من أبى. و ليس صحيحا أن الفئات الشعبية عصية على التنظيم و التربية،بدعوى أنها تتشكل من الأميين الذين يبلغ عددهم أزيد من سبعة ملايين،لمصلحة من يراد استبعاد هؤلاء عن الحركة الإسلامية؟ فالرسول الكريم بعث في الأميين"هو الذي بعث في الأميين رسولا يتلو عليهم آياته و يزكيهم ويعلمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا مــــن قبل لفي ضلال مبين" و تولاهم بالدعوة و التربية و التعليم حتى جعل منهم أئمة و قادة و مصلحين.
*أما إذا اختارت الاستمرار على نفس النهج،فإنها في أحسن الحالات ستبقى تراوح مكانها و في أسوئها تزداد عزلة ،إلى أن تظهر حركات اجتماعية و سياسية أخرى إسلامية أو غير إسلامية تقود الأمة وتتولى هي عملية التغيير و الإصلاح."و إن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم". | |
|