حمس لرجام عاملي
عدد الرسائل : 1902 العمر : 62 العمل/الترفيه : الأنترنت تاريخ التسجيل : 04/09/2008
| موضوع: أطلبوا العلم ولو في الصين .... بقلم رئيس الحركة الثلاثاء أبريل 20, 2010 8:19 pm | |
| في الذكرى السبعين لوفاة العلامة ابن باديس، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين (1940.04.16 – 2010.04.16) توطئة : في جلسة غداء جمعت وفدا عن الحركة بقيادة الحزب الشيوعي الصيني بالمركز العام للحزب في العاصمة الصينية (بيكين)، يوم 2008.11.25 دار حديث حول الإسلام والعلم وقدرته على المساهمة في حل بعض المشكلات المستعصية، كالأزمة المالية العالمية، والعلاقات الأسرية، والفساد الأخلاقي، ومشكلات الشباب..إلخ، وامتد الحديث إلى العلم والتكنولوجيا، ولما فهم قادة الحزب من كلامنا أن الإسلام دين العلم، وأن القرآن يدعو إلى البحث العلمي، وأن رسول الإسلام دعا إلى طلب العلم وجعله فريضة على كل مسلم ومسلمة، وأن القرآن يدعو إلى طلب العلم ولو في الصين سألنا رئيس الجلسة: هل زار محمد الصين أو كان يعرف عنها شيئًا؟ ولماذا ذكر الصين تحديدا؟ ووجدنا أنفسنا نتحاور حول الحضارات القديمة التي قامت على العلم وتفوقت لأن الذين حكموها كانوا قد سلكوا بأممهم طريق التحصيل العلمي وجنبوهم الخوض في معارك التلهية والاستغراق في الأباطيل والخرافات والهرتقات الضالة. وانتهت الجلسة في أجواء علمية رائعة.
1- القرآن كتاب هداية : لنصارح أنفسنا بالقول : إننا نسيء إلى ديننا وإلى رسولنا عندما نقدم الإسلام للناس في ثوب من الجهل أو في طبق من الغلو والتطرف، مع أن القرآن جاء دعوة للناس كافة ورحمة للعالمين، فإن شئت قلت هو كتاب رحمة، وإن شئت قلت، هو كتاب علم، وكتاب فكر، وأدب، ولغة، وتاريخ، وجغرافيا، وعلوم إنسانية، وعلوم دقيقة..و..و..وهو كل ذلك وأكثر من ذلك، ولكنه ليس كذلك، فهو كتاب هداية كما يُعَّرف هو بنفسه في أكثر من موضع، من مثل قوله تعالى : "آلـــم ذلك الكتاب لاريب فيه. هدى للمتقين" وفي سورة الفاتحة : "إهدنا الصراط المستقيم" لكن الهداية لها طرق كثيرة أهمها وأكثرها دورنا على ألسنة الناس خمس (05)، كلها لها صلة بالعلم، إذا تجاوزنا التنظير إلى التطبيق، وهي:
- الهداية عن طريق الفطرة، إذا لم تتدخل عوامل خارجية لإفسادها - الهداية عن طريق العلم، إذا تفكر الإنسان وتدبر فيما حوله وفي نفسه - والهداية عن طريق التقليد، إذا وجد الإنسان نفسه محاصرًا بالمهتدين - والهداية عن طريق الاصطفاء، إذا أراد الله إعادة بعث الإيمان وتجديد الدين - والهداية عن طريق الصدمة، لمن انحدرت به سبل الغواية فلم يستفق إلاّ على واقع صدمة عنيفة ترد إليه صوابه وتُعيد ربط مسار حياته بنداء الفطرة الأول الذي قاد إبراهيم (ع) –تحت صدمة عبادة قومه الأصنام- إلى التأمل في ملكوت السموات والأرض فكان من الموقنين، وليست الصدمة التي انتهت بفرعون إلى أن يعلنْ استسلامه –بعد طول تفرعن- يوم أدركه الغرق وانتهت "أكذوبة" أدعاء الربوبية فصاح مستنجدا بموسى(ع) قائلا : "آمنت أنه لا إآـه إلاّ الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين".
والناظر في هذه الطرائق الخمس يجد أنها تختلف في كل شيء ولكنها تلتقي حول نقطة مركزية وهي العلم بالشيء بعد الإحساس بوجوده، إذ لا قيمة لوجود غير مدرك، حتى لو كان "العجز عن الإدراك إدراكا"، ولا قيمة لعلم لاَ يقود صاحبه إلى مراشد أموره، وفي كل الحالات فإن بين العلم والهداية وشيجة قديمة محكمة إذا بارك الله في العلم ولم "ينسلخ" صاحبه عن الحق وينآى عن الصراط المستقيم، فالعلم الحق يدعو إلى الإيمان، وما رأينا عالما دخل في هذا الدين ثم خرج منه، وإنما نسمع كل يوم "بصعلوك" تطاول على الإسلام؟؟
2- القرآن الكريم يدعوك إلى العلم : من أبدع ما نُلفت به انتباه كل قارئ لكتاب الله تعالى تردد لفظة علم واشتقاقاتها بشكل لافت للنظر، بحيث يقترب عدد المرات التي وردت فيها هذه اللفظة – بصيغ مختلفة- ثمان مائة وخمسين (850) مرة تقريبا، وقد وردت بكل صيغ الصرْف اللغوي، لتؤكد سبع (07) حقائق يغفل كثير من الناس عنها، وهي – في إعتقادنا- أهم أسباب التخلف والنكسات المتتالية التي يتخبط فيها العالم الإسلامي اليوم، وكلها ذات صلة بالعلاقة بين العلم والعمل أو بين القول والفعل..وهي : - العلم بالدنيا والغفلة عن الإحاطة بعلم يوم الحساب - العلم بالدين والزهد في التحكم بأدوات العصر - الرغبة في العمل بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.. - محاولة التحجج بالانتساب للإسلام والتفاخر به دون التسلح بسلطان العلم - وهمْ دعوة الناس إلى "الفكر الإسلامي" ثقافة وليس إلى العقيدة الإسلامية هداية - الاعتقاد بأن العلم "شهادة" على الورق وليس "شهادة" الناس للعالم بأنه عالم. - الفصام النكد بين متصدري العلم الشرعي وممارساتهم على نحو يشوه القدوة ويعمق الهوة بين ما يقوله العالم (المتحدث باسم الإسلام) وما يفعله.
وفي يوم العلم هذا أحببت أن أوجه دعوة إلى أبناء الإسلام، في العالم كله آملاً، بأن يراجعوا علاقتهم بهذا الدين في ثلاثة اتجاهات : - العلاقة مع الله تعالى أمرا ونهيا، بعيدا عن ضغط الإيديولوجيات - العلاقة مع النفس قولا وفعلا بمعزل عن الخوض مع الخائضين - والعلاقة مع الناس سلوكا ومعاملة، وفق الأخلاق الإسلامية التي جعلت "الدين المعاملة" وليس شيئا آخر من الفلسفات والتنطع والهرطقات الفارغة..
وكمثال على ذلك : ففي أول سورة تنزلت على سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) – وهي سورة العلق- بدأت كلماتها بالدعوة إلى القراءة باسم الله، وحذرت من الطغيان، وأكدت على أن العودة ستكون لله مهما طغى الإنسان وتجبّر، وأرشدت إلى التواضع، ودعت إلى الصلاة لتحصيل التقوى، برغم اعتراض المعترضين الذين يكذبون ويتولون وكل واحد منهم يعلم أو يتجاهل – أو ربما لا يعلم- أن الله يرى، وختمت بالتهديد والوعيد للمستكبرين، ودعوة المخبتين إلى السجود والاقتراب من الحق.
والمتأمل في بنية هذه الصورة يقف مشدوها أمام إعجازها المحكم، فعدد آياتها قليل، 19 آية (وهو رقم أصم) في كل آية كلمة مفتاح يحيل على العلم بطريقة إعجازية بارعة بالتسلسل التالي : القراءة باسم الله، الإحالة على أصل الخلق، ثم القراءة (مرة ثانية)، ثم العلم (مرة ثانية)، ثم العلم (مرة ثالثة)، ثم آفة الجهل وسبب الطغيان (الاستغناء) والنهاية (إلى الله)، والتطاول، والصد عن أداء ما يعلم الإنسان أنه حق (الصلاة)، ثم العلم (مرة رابعة) كونه طريق الهداية، ثم الأمر بالتقوى (لأنها ثمرة العلم)، والتكذيب والتولي (كونهما ثمرة الجهل) ثم العلم (مرة خامسة) العلم بأن الله يرى، والتحذير من العواقب، والتهديد بالنهايات، والناصية وما فيها، كونها سبب كل ما يحدث للإنسان.. فياويح من كانت ناصيته "كاذبة خاطئة"، فالجهل بالحقائق يجعل الإنسان يتمسك بالأوهام ظنا أنها قد تجديه إذا حزبته الخطوب "فيدع نادية" والعلم بالحق هو الذي يكشف حقيقة تشبث الإنسان بأوهام الدنيا التي إذا استنجد بها وجد، في مواجهته "الزبانية" وشتان بين علم وعلم..وبين دعوة ودعوة : "فليدعُ ناديه.سندعُ الزبانية"، والمصير المحتوم، بعد التمرد والعصيان، هو سقوط أقنعة الجهل بالنهايات : "كلا لا تطعه واسجد واقترب".
وحتما سوف تسألني : وما علاقة سورة العلق بموضوع العلم؟ والجواب الجاهز هو : أن بداية التنزيل هي الدرس الأول الذي يجب أن يُحفظ من منهج الرسالة، لأن بعد ذلك توالي نزول 113 سورة.. - بدأ بالدعوة إلى القراءة باسم الله - وختم بالسجود عن علم لله - وبين التحول من القراءة (التي كانت) باسم الأصنام والأوثان إلى القراءة (التي يجب أن تكون) باسم الواحد الديان إلى رفض الاعتماد على زمرة الغافلين عن طلب العلم، والانصراف إلى التوكل على الخالق الرازق..بين هذا وذاك تكررت كلمة العلم أربع مرات (علم بالقلم، ساق له من العلم ما لم يكن يعلم، أن هذا الإنسان المدعو إلى طلب العلم يرتكب – بسبب جهله بالحقائق- مخالفات رهيبة في حق الله، وفي حق نفسه، وفي حق الناس..لأنه يجهل" بأن الله يرى". فهل يرى من يجهل أن الله يرى؟؟؟ الخاتمة: العلم علمان، علم جدل وعلم عمل، وكثيرا ما يكون المجادلون جاهلين بحقيقة العلم: "ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد"، ولذلك أشار القرآن الكريم إلى أن كثيرا من الناس يظنون أنهم يعلمون وهم جاهلون لأنهم "يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون" وعلى هذا الأساس قامت دعوتي اليوم إليكم جميعا بأن توجهوا علمكم إلى الميدان للعمل وتطووا صحائف الجدل، فما أهلك إبليس إلاّ كثرة جدله مع أنه كان عالما بنهايات هذا الصنيع، فما نفعه علمه وما هداه اعترافه بأنه كان يجادل خالقه جل جلاله. اتركوا علوم الجدل وانزلوا إلى الميدان للعمل، تَسلموا وتغنموا. | |
|