حمس لرجام عاملي
عدد الرسائل : 1902 العمر : 62 العمل/الترفيه : الأنترنت تاريخ التسجيل : 04/09/2008
| موضوع: انقضى رمضان ويبقى الصوم... بقلم البروفيسور بشير مصيطفى الأحد سبتمبر 12, 2010 12:42 am | |
| شد الشهر الفضيل -هذا العام- رحاله عن الجزائر على وقع توقعات بدخول اجتماعي مضطرب، فقد أعلنت جهات عمالية عدة نيتها في الاحتجاج مجددا نظير تماطل الحكومة في الوفاء بتعهداتها المعبر عنها في لقاء الثلاثية شهر ديسمبر الماضي، ما يعني أن جوانب في السياستين الاقتصادية والاجتماعية للبلاد لا زالت تشكل ساحة للنزاع بين الحكومة والسكان، وأن الحسم في ملفات التوازن قد يأخذ وقتا أطول. فماذا يعني أن يبدأ التلويح بالاحتجاج الاجتماعي وقد خاض الجميع تجربة الصوم الغنية بالدروس واستمتع الجميع أيضا بتوجيهات الرئيس الرمضانية وهو يدعو القطاعات التنفيذية في الحكومة لمزيد من الاهتمام بقضايا الوطن والمواطن؟ وما هي الأعمال الممكن تطويرها على خلفية صوم رمضان وبناء على أفكار قوية وإرشادية لما سيأتي من الأيام ؟ دروس في التوازن الاجتماعي فرض صوم رمضان في الاسلام قبل أكثر من 14 قرنا من الزمن، وعرفت جل الديانات السماوية منسك الصوم ولو بصيغ مختلفة، ويومها لم يكن للدولة بناء كالذي نراه الآن ولم يكن للحكومة مفهوم كمفهومها اليوم، ومع ذلك لا يزال العلماء والمفكرون يستنبطون من الصوم -ولا سيما صوم رمضان لدى المسلمين- قواعد في التضامن الاجتماعي ترقى الى إرشاد أقوى الحكومات الى أنجع السياسات، ما يعني أن مفعول الصوم يتعدى البعد الظرفي الى امتداد الزمن في حياة الأمة أي أن الشهر الفضيل عندما يرحل يكون قد ترك فصلا كاملا من فن التدريب على: قيادة النفس، أسلمة المؤسسات، تقريب الحكومات في العالم المسلم من هموم الناس، اختبار أدوات أخرى في محتوى التماسك الاجتماعي والتوازن الاقتصادي، اختبار جدوى الصوم في صياغة نموذج استهلاك أكثر نجاعة ونموذج استثمار أكثر قوة في محاربة الفقر، اكتشاف أفكار جديدة في مضمون التوزيع العادل للثروة، وأخيرا اختبار جدوى العامل الديني في إحداث وتفعيل أي تغيير منشود. وهكذا، يقود الانسان المسلم نفسه نحو الصوم دون رقيب أو حسيب من قبل الأسرة أو القبيلة أو العشيرة أو الحكومة ما يعني امكانية اسقاط الرقابة الذاتية على باقي المجالات وفي كل أيام السنة، وتقترب المؤسسات من نموذج الايمان في مواقيت العمل والمحيط الداخلي والامتناع عن النشاطات المحرمة دون أدنى تدخل من السلطات العمومية، وتجتهد القطاعات الحكومية في تكييف برنامج عملها على ايحاءات الصوم وخاصة قطاعات التجارة والاعلام والثقافة وهي القطاعات الأكثر تأثيرا في السلوك والرأي، وتلعب قاعدة "الريح المرسلة" دورا فعالا في تقارب السلوك الاستهلاكي بين فئات المجتمع كلها بل وبين فئة الحاكمين وفئة المحكومين، ولو استمر مفعول هذا التقارب خلال العام لأمكن القضاء على ظاهرة الفقر والحاجة قضاء كاملا ولوثق الجميع في استحالة نشوء دولة بين أغنياء البلاد تؤسس للطبقية السلبية، ويشكل اقدام الناس على المساجد سانحة نادرة لقطاع الشؤون الدينية للتواصل مع الرأي العام على قاعدة التوجيه المؤثر والذكي أي التوجيه الذي يتجاوز حدود الخطاب والوعظ الى مسارات أخرى في حياة المسلم قد تبدو غائبة في الارشاد الديني مثل الدعوة الى قيادة شؤون الحياة كلها بالدين، وأن لا علمانية في ديننا وأن الاسلام يعرض على البشرية حلولا ناجعة لجميع أهداف التوازن النفسي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وباختصار الى الاسلام كاملا بأبعاده العقيدية والعلمية والحضارية. وعندما نفهم هذا المعنى من مغزى صوم رمضان وأن المطلوب هو اعتباره أحد مدخلات السياسات الوطنية في مجال الادارة التربوية والاجتماعية والاقتصادية للبلاد، يتراجع الاحتمال في نشوب احتجاجات سكانية بدافع اللاتوازن في توزيع الخيرات أو ضعف أداء الجهاز التنفيذي أو إهمال السلطات لمطالب المواطنين المشرعة. ويكون من الأعمال المناسب تطويرها في هذا المجال: استثمار حقيقي في الجانب الديني الكامن في نفوس جميع السكان - مسؤولين وسائلين، حاكمين ومحكومين- عند صياغة أي برنامج للاصلاحات التي ماتزال الدولة تباشرها في إطار مهامها الدستورية. الأفكار المتجددة بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يصومون رمضان ايمانا واحتسابا بالمغفرة التامة كما ورد في حديث أبي هريرة المروي في الصحيحين: "من صام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، ويعني ذلك كما جاء في "فتح الباري" للحافظ ابن حجر العسقلاني تصديقا بفرضية الصوم وعزيمة على طلب الثواب. وبالمعنى المعاصر يعني ذلك حفز الاسلام المسلمين على صوم رمضان من مبدأ العقيدة والاعتقاد وليس التقليد أو الموروث الاجتماعي كما يصور ذلك علماء الانثربولوجيا والاجتماع ، أما الاحتساب فيعني أن ينضبط سلوك المسلم نحو نموذج الصوم بصورة آلية ما يعني توازنا مؤكدا في الحياة العامة دون حاجة الى أدوات قانونية مستحدثة، وفي هذه الحالة فقط تحصل المغفرة التي يتبعها صلاح حيث يردد المسلم في ذكر التراويح "اغفر لنا ما مضى واصلح لنا ما يأتي". والزمن في حياة المسلم نظام متماسك للحياة حيث يخدم الماضي المستقبل ويصنع الحاضر الآتي، والمعاني من مناسك الاسلام وفرائضه تصنع الأفكار وهي ليست أفكارا جديدة بالضرورة وربما فهمنا لها يكون جديدا، أما هي في محتواها فمتجددة، كما هي الزكاة عندما تفهم كركن من أركان الاسلام يتبعه نظام في التفكير ونظام في الادارة ونظام في التوزيع وقد أثبتت وقائع المجتمع المسلم أن تاريخ الزكاة في حياة المسلمين يؤيد فكرة أنها حاصرت الفقر بينهم فعلا، وكان الجباة يبحثون عن الفقراء فلا يجدون لهم أثرا من قوة التحكم الاداري في الركن الثالث من أركان الاسلام، حتى حل بنا الاستعمار الأجنبي فاستبدل الضريبة بالزكاة وحول الفكرة المؤسسة على الرقابة الذاتية والايمان والاحتساب الى فكرة تصنعها القوانين ويراقبها المراقبون، ونفس الشيء حصل مع بقية النظم التي أسسها الاسلام في حياة المسلمين في الجوانب السياسية والتربوية والفكرية. وربما يكون الأوان قد حان للتقرب من فضائل صوم رمضان على قاعدة الايمان والفكرة والحل لمشكلات مازالت تتفاقم في ربوع العالم الاسلامي وتتشكل في صورة احتجاجات واضطرابات لا يخمد بعضها حتى يندلع بعضها الآخر. | |
|