حمس لرجام عاملي
عدد الرسائل : 1902 العمر : 62 العمل/الترفيه : الأنترنت تاريخ التسجيل : 04/09/2008
| موضوع: الشيخ : محمد أبو سليماني - رحمه الله - الخميس أكتوبر 30, 2008 1:12 pm | |
| الشهيد بوسليمانيالشهيد محمد بو سليماني : ولد في البليدة يوم 5 مايو (أيار) عام 1941.. كان والده سليمان متأثراً بالحركة الإصلاحية والشيخ الطيب العقبي علي الخصوص. شب الشهيد وسط عائلة قدمت 14 شهيداً، منهم أخوه أحمد خريج الكلية العسكرية في العراق. وعندما قامت ثورة الجزائر في أواخر الخمسينيات.. كان من رواد العمل الجهادي الذي انطلق باسم الله وباسم الإسلام لتحرير الجزائر من رجس الاستعمار والاستعباد والاستيطان.
أما الإخوة خارج الجزائر.. فننقل لهم ما تحدث به الأخ محمد بو سليماني فقال:
نحن الآن في بلد مستقل، نضع أسساً ومعالماً لمتابعة الدعوة الإسلامية في الجزائر حتى نصل إلى المستوى المنشود. بدأنا بدراسة بعض الكتب الدعوية. وكان على رأس هذه الكتب التي أعادت لنا حقيقة الصورة المشرقة للإسلام، كتب الشيخ محمد الغزالي، وبعدها بدأنا نقرأ كتب سيد قطب، وهي الكتب الأساسية التي فتحت أذهاننا على الدعوة الإسلامية وعلى الفكر الإسلامي الأصيل، وعلى فقه الدعوة الذي كان بعيداً عن الأذهان في هذا البلد، وبدأنا بوضع ما نسميه خططاً لمواجهة ما ينشر من بذاءات واتهامات ضد الإسلام والحركة الإسلامية، في وسائل الإعلام المختلفة المسموعة والمقروءة والمرئية. ووجدنا أن المنبر الأساسي الذي نستطيع منه أن نسمع صوت الحق هو المساجد.
يقول محمد بو سليماني:خلال الفترة من عام 1962 إلى عام 1965 عملت مدرساً في مدرسة بوادي العلائق قريبة من مدينة البليدة، وحصلت على نقطة التفتيش الأولى على مستوى أربع ولايات.. هذه الدرجة خولت لي أن أعين من طرف وزارة التربية للقيام بتعريب الإدارة.. فكانت أول تجربة لمدرسة ابتدائية مديرها معرب. والمدرسة كانت بالبليدة في قرية بوعرفة اسمها مدرسة الهداية.
وبعد حصولي على الليسانس في الأدب العربي انتقلت إلى التعليم الثانوي في ثانوية ابن رشد في البليدة.. ثم انتقلت مديراً لثانوية الفتح للإناث.
لم يكن في المدرسة فتاة محجبة واحدة.. عملت على إيجاد قاعة للصلاة.. وطلبت من الطالبات أن يصلين.. بعد شهرين احتجبت ثلاث فتيات.. وبعد ذلك بدأ اللباس الإسلامي ينتشر في هذه الثانوية.. ثم في الثانويات الأخرى..
لقد كانت بدايتنا من المدرسة..
ثم انتقلنا إلى المسجد.. وبدأنا الدعوة في حلقات ودروس مسجدية، حاولنا فيها أن نبين للناس معنى الإسلام الشامل الذي يتناول مظاهر الحياة جميعاً.. وبدأ الناس يتفاعلون.. وكانوا من قبل يعجبون من طرحنا ويتساءلون: هل للإسلام علاقة في البيع والشراء.. ما دخل الإسلام في الزواج.. وفي السياسة ونظام الحكم...؟!
استخدمنا في دعوتنا الكلمة الطيبة.. والأسلوب الهين الذي حدده لنا ربنا: ) ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ(.. وكانت البداية عام 1963 بعيد الاستقلال مباشرة.
وسقط النظام الأول.. وجاء نظام بومدين، وفيه كان الهجوم السافر على الإسلام، ورموز الإسلام، والقرآن والسنة، وطلب من الشعب الجزائري أن يقبل الإشتراكية.
وبدأنا نبحث عن أحسن الأساليب التي تجعل الشعب الجزائري يرفض ما فرض عليه..
وفي عام 1976 فرض النظام دستوراً مفصلاً على مقاس الحكم واشتراكيته، وأعلن ما يسمى بالميثاق، وتم انتخاب رئيس الجمهورية وفقاً لهذه الإجراءات..
ماذا نفعل..؟
هل نسكت..؟ وماذا سيقول الناس وهم ينظرون إلى الشعب المجاهد الذي حرر الجزائر بدمه، ودفع أكثر من مليون ونصف المليون من الشهداء الذين جادوا بدمهم لتحيا الجزائر..؟
وفي عام 1982 حدث شجار في الجامعة بين الإسلاميين والشيوعيين، أسفر عن مقتل شاب من الشيوعيين، وكان من بلاد القبائل، وتحول الشجار إلى معركة يخوضها اليساريون بكل ما يملكون من أسلحة يهاجمون الإسلام ودعاة الإسلام..
إلى أين يا بومدين؟
وترجح عندنا أن نقوم بعمل ما.. نتصدى به لهجمة الكفر.
عرضنا الأمر على إخواننا في الجامعة، فمنهم من رفض الفكرة.. ومنهم من اعتذر عن المشاركة.. وبعض الجهات قبلت رأينا.. وكان منهم الشيخ سحنون والشيخ عبد اللطيف سلطاني وغيرهم..
وبالاتفاق مع هؤلاء الإخوة كتبنا بياناً بعنوان: إلى أين يا بومدين... تناول البيان ردوداً موزونة واضحة على كل الخلل الذي جاء في الميثاق والدستور.. ومما جاء في البيان:
· لابد من الرجوع إلى كتاب الله وتحكيمه.
· وانتقدنا الثورة الزراعية التي تبنتها الدولة.
· وانتقدنا الحرب بين الجزائر والمغرب، وقلنا ليس هذا أسلوب التعامل مع الأشقاء.
· إلى غير ذلك من الأمور الداخلية والخارجية.
البيان كان بإمضاء الموحدون.. صاغه الشيخ محفوظ النحناح.
في السجن
وأعلنت الحكومة النفير.. فقد وضعت يدها على المؤامرة الرجعية التي تتآمر على سلامة البلاد!!
وألقي القبض على الأخ محمد بوسليماني والشيخ محفوظ النحناح.. وعلى 17 أخ آخر.. في السجن لاقينا من صنوف التعذيب، والإهانة والشتم، والطعن وحجز الممتلكات.. الشيء الكثير.
لم نكن نادمين على جهادنا من أجل تحرير الوطن.. ولكنها كانت ساعات عصيبة مررنا بها.. عندما وجدنا أن للوطن الذي حررناه من أجل حرية الإنسان، له زنازين يوضع فيها.. ويعذب فيها.. المجاهدون!!
حكم علينا بالسجن مدداً تتراوح بين سنة و 15 سنة.
والسجن مدرسة إذا أحسنت الاستفادة من أوقاتها.. تتأكد فيها الأخوة.. وتنضج فيها الأفكار.. ويعاد النظر في الأساليب.. مع الإيمان بأن طريق الدعوة هو كما وصفه ربنا: )أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ((2)
ويتابع أخونا بو سليماني فيقول: مكثت في السجن ثلاث سنوات.. وبعد هلاك بومدين.. والعفو الذي أصدره الرئيس الشاذلي بن جديد خرجنا إلى الحرية. وكان ذلك عام 1980.
ذكريات السجن ليست كلها مريرة.. فقد وجدنا بعض حراس السجن.. أناساً طيبين.. كانوا في شهر رمضان يأتون لنا بالطعام من بيوتهم.. ويعاملوننا معاملة كريمة. فليس كل فرد يتعامل مع النظام كافر.. كما تدعي بعض الصرعات الإسلامية..
الصحوة تبحث عن قيادة
خرجنا من السجن.. فوجدنا صحوة إسلامية عارمة..
صحوة انطلقت من عقالها بعد وفاة الرئيس بومدين الذي أحصى على الناس حركاتهم وسكناتهم.. وألزمهم الانسياق وراءه وليس لمن يأبى إلا الزنازين..
لقد كان عهد الشاذلي بن جديد عهداً طيباً، تنسم فيه الشعب الجزائري أنسام الحرية.. ومع هذه الحرية وفي أجوائها وجدت الصحوة الإسلامية التي كانت تحتاج إلى ترشيد، وإلى قيادة صالحة تأخذ بيدها نحو شاطئ الأمان.. وكان هذا دورنا..
حاولنا في البداية إعادة بناء البيت الداخلي، بخطى هادئة وثابتة وشققنا طريقنا بتوفيق من الله، ونزلنا إلى الشارع بثقل، ووضعنا أمامنا هدفاً وهو أن الدعوة الإسلامية لابد تكون على علاقة حسنة مع كل شرائح المجتمع، وأن تدخل كل زاوية من زوايا الحياة، وأن ترتبط بالمؤسسات التعليمية والثقافية والعمالية.. نفعل ذلك بقوة وثقة كما قال ربنا: )ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ((3)..
جمعية الإرشاد والإصلاح
ومن أجل تنظيم عملنا في الدعوة إلى الله.. أسسنا عام 1989 جمعية الإرشاد والإصلاح، التي تولى رئاستها الشيخ محفوظ النحناح.. وعندما ترأس الشيح محفوظ حركة المجتمع الإسلامي (حماس).. تولى السيد محمد بو سليماني رئاسة الجمعية. وحددنا أهدافها في ثلاثة أمور:
هدف ثقافي. وهدف خيري. وهدف علمي تربوي. وكانت علاقة الجمعية مع الأحزاب القائمة.. علاقة مناصحة وتعاون وتكامل.. وعندما حلت الحكومة جبهة الإنقاذ.. دعونا إلى معالجة هذه القضية بالحوار الهادف البناء.
رابطة الدعوة الإسلامية
وعندما كثرت الجمعيات والأحزاب الإسلامية على الساحة.. كل منهم يدعي وصلاً بليلى.. رأى حكماء الأمة أن ينشئوا رابطة الدعوة الإسلامية برئاسة الشيخ أحمد سحنون، لتكون صمام أمان.. ومرجعاً يرجع إليه عندما تتحزب الأمور.. وتختلط الرؤى.. وكان ذلك عام 1986.
الجبهة الإسلامية للإنقاذ
في هذه الفترة ظهرت حركة سياسية، هي الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ظهرت في مسجد باب الواد بالجزائر العاصمة، وتم الإعلان ذهب أحد أفراد رابطة الدعوة الإسلامية وهو الأستاذ محمد السعيد.. وحاول إقناعهم بعرض الفكرة على الرابطة قبل اتخاذ قرارهم، ولكنه ووجه بالرفض.. وأعلنت الجبهة.
ودخلت الجبهة أول انتخابات بلدية تعددية.. وفازت بمعظم المقاعد. فقد كان الناس يطالبون بالتغيير.. وكذلك حدث في الانتخابات التشريعية.. عندما أبطلت الحكومة نتائج الانتخابات وتدخل الجيش وأعلنت الأحكام العرفية.. وبدأت الاعتقالات في صفوف رجالات الجبهة.
لا نريد أن ندخل في تحليل إنشاء الجبهة.. وسلوك قادتها.. وتصرفات جماهيرها.. فهو مدخل معقد أدى إلى كل ما عانته الجزائر من دماء وشهداء.. ومآسي واضطرابات.. فالسياق لا يحتمله..
من قتل بوضياف
بعد توقف المسار الانتخابي، جيء (ببو ضياف) من منفاه في المغرب. كان بوضياف يحمل معه تصوراً معيناً لمعالجة الأوضاع في الجزائر، ووقع له ما وقع وسجلت قضيته ضد مجهول!! ومن يومها تعيش الجزائر فراغاً دستورياً على مستوى النظام، المجلس الوطني الشعبي منحل، رئاسة الجمهورية غير موجودة، تشكل ما يسمى المجلس الأعلى للدولة.. الذي يرفض أن يرشح أحد أعضائه للانتخابات الرئاسيةالعامة.
واستمرت موجة العنف.. والسؤال المطروح في الجزائر: من القاتل.. ولماذا قتل؟ بالنسبة لحركة حماس فقد تبنت موقفاً واضحاً.. وقفت ضد العنف بكل أشكاله.. ومهما كانت أسبابه وأهدافه، أما بالنسبة للجبهة الإسلامية للإنقاذ.. فلقد وقعت أخطاء بحل الجبهة وإيقاف المسار الانتخابي.. ونحن مع الحوار الذي يعطي لكل ذي حق حقه.
الحوار هو الحل، لأنه ليس كل أعضاء الجبهة لهم فكرة العنف.. وسائل الإعلام تضخم الأمور، وتسمي الأمور بغير أسمائها.
ليس أمامنا إلا طرق ثلاث:
إما أن نواجه.. والمواجهة في هذه المرحلة نوع من الانتحار. وإما أن نسكت.. والساكت عن الحق شيطان أخرس. وإما أن تختار الطريق الوسط.. الذي يقوم على المقاومة والحوار. اللقاء الأخير
أحب أن أسجل هذا اللقاء الأخير.. الذي كان بيننا وبين أخينا محمد بوسليماني.. كان في باكستان في مؤتمر من مؤتمرات الجماعة الإسلامية.. عشنا معاً أياماً رائعة.. تحدثنا كثيراً عن الهم الجزائري.. عند البدايات.. وعن السجن.. وأخبرته بأنني سافرت إلى الجزائر قادماً من المغرب.. لأزور إخواني محمد بوسليماني والشيخ النحناح ورفقهما في السجن.. ولكن سلطات المطار اضطرتني للعودة على الطائرة نفسها.. وإذا كان اللقاء مقدراً.. فقدرتك في نفسي غصة أني لم أستطع القيام بواجب الزيارة.
وتحاورنا حول المخرج الذي يمكن تصوره للخروج من هذه الأزمة الكبيرة التي حلت بالجزائر.. أما المشهد الأخير من هذه الزيارة فقد كان لقاء مع رئيس الجمهورية باكستان إسحاق خان.. كان معنا في هذا اللقاء أمير الجماعة الإسلامية الأستاذ طفيل محمد.. والأستاذ مصطفى مشهور.. والأستاذ مأمون الهضيبي.. والأستاذ خليل الحامدي.. والأستاذ محمد بوسليماني.. كان الرئيس الباكستاني مهتماً بما يدور في الجزائر ويتساءل عن الأسباب وعن المخرج..
وأجاب الأخ بوسليماني باختصار يناسب المقام.. ولكنه اختصار ينطبق عليه قولهم: خير الكلام ما قل ودلّ.
وافترقنا يومها.. ولم نلتقي بعد ذلك..
لماذا قتلوه؟
كان الشهيد بوسليماني شديد التأثر بما وقع في الجزائر في محنتها الدموية، فلم يترك مجلساً إلا ودعا فيه إلى الصلح بين أبناء الجزائر، مقتنعاً أن الخلاف بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد، لا يحل بالعنف، بل بالحوار والمحبة والتراحم، إلا أن هذا النهج لم يعجب بعض مخالفيه الغلاة، فلم يراعوا في الرجل جهاده ولا إمامته ولا ريادته الدعوية ولا رمزيته الوطنية والعالمية، فاقتحموا عليه منزله المتواضع فجر يوم الجمعة 26 نوفمبر 1993م، فأفزعوا أهل بيته الذي طالما كان أيام الثورة التحريرية مأوى المجاهدين، وأيام الاستقلال مثابة للدعاة والعلماء الخيرين، فاختطفوه وأرادوا منه فتوى بجواز قتل المخالفين، وما علموا أنه ليس ذاك الرجل الذي يشتري الدنيا بالدين، فكان له من الله الثبات على موقفه..
تم العثور على جثة الشيخ محمد بوسليماني رئيس جمعية الإرشاد والإصلاح، ملقى بطريقة لا تدع مجالاً للشك في أن مختطفيه الذين اختطفوه منذ حوالي الشهرين، كانت لهم مصلحة في إثارة الفتنة.. ومحاولة ضرب الجماعات الإسلامية بعضها ببعض. وعندما تعاملت حركة (حماس) مع حادث اختطاف أحد رموزها بوعي وضبط للأعصاب، أسقط في أيدي المغرضين .. فلم يجدوا أمامهم إلا التخلص منه بقتله لأنهم لو تركوه لفضح أمرهم أمام الرأي العام. | |
|