حمس لرجام عاملي
عدد الرسائل : 1902 العمر : 62 العمل/الترفيه : الأنترنت تاريخ التسجيل : 04/09/2008
| موضوع: عبد القادر جمعة ، قوامها ثنائيات العقل المعطل :الأوهام المؤسسة لـ الدعوة والتغيير السبت مايو 09, 2009 11:01 pm | |
| بسم الله الرحمان الرحيم عبد القادر جمعة : مدير جريدة البلاد اليومية ''الحكم على الشئ فرع من تصوره''.. عبارة أو قاعدة تراثية معروفة، يمكننا أن نترجمها فنقول إن الموقف والسلوك يبنيان بالضرورة على فكر وتصور. عبد القادر جمعة أعترف أن كثيرا مما جرى ويجري في حركة حمس، يستعصي علي فهمه لولا محاولة البحث في التصورات والمفاهيم النظرية التي تبنى عليها الممارسات وترتسم بها المسارات. ويزداد الأمر أهمية وإلحاحا كلما حاولت فهم مواقف وتصريحات مجموعة ''الدعوة والتغيير''، وقيادة المجموعة على وجه التدقيق.
ويزداد الأمر أهمية وإلحاحا كلما حاولت فهم مواقف وتصريحات مجموعة ''الدعوة والتغيير''، وقيادة المجموعة على وجه التدقيق. فهي مواقف وتصريحات وسلوكات لا تجد لها معنى ومغزى سياسيا جادا، إلا بربطها بالأسس النظرية التي تحملها وتؤمن بها قيادة المجموعة عن السياسة والعمل السياسي. وهي أسس ومنطلقات سنحاول أن نصوغها في قالب ثنائيات مبسطة، لكنها لن تكون تبسيطية، كما سنحاول اكتشاف أثر هذه الثنائيات وربطها بقضايا واقعية، كما سنرى أنها -وللأسف الشديد- ثنائيات تعطل العقل وتلغي الخيار الحر وتصادر الإرادة..
المنطلــــــــق..الخاصة / العامة
التصور المؤسس (جريا مع موضة تقديس التأسيس والمؤسسين!!) هو تصور المجموعة لذاتها وللآخر، والآخر المقصود هو جمهور المنضوين في الحركة والمنتمين لها. وهو تصور قوامه اعتبارهم لأنفسهم ''خاصة'' واعتبار الآخرين ''عامة''. بنفس الفهم الذي أرساه الفكر السلطاني القديم في ذروة الملك العضوض!! ''خاصة'' بمعنى الصفوة والنخبة في مقابل ''عامة'' بمعنى الرعية والغوغاء، تستأثر ''الخاصة'' بالثروة والسلطة والمعرفة، ويتلخص دور ''العامة'' في الطاعة والاتباع وتفويض الأمر إلى أهله• هذا هو فهمهم لمعنى ''أهل الحل والعقد'' وهي الصفة التي أرادت مجموعة ''الدعوة والتغيير'' أن يلبسوها ذاتهم، وقد عبر عنه عبد المجيد مناصرة بوضوح حين قال إن اختيار رئيس الحركة في المؤتمر (من قبل العامة) ديكتاتورية، وإن الشورى والديمقراطية لا تتحقق إلا باختياره في مجلس الشورى (على مستوى الخاصة!!) ويتكرر المنطق ذاته الآن بعد الانشقاق، حيث تجتمع (الخاصة) وتبايع زعيما جديدا ثم تطلب من (العامة) الالتحاق والإذعان والطاعة! من هذه الثنائية المؤسسة (ثنائية الخاصة/ العامة)، انبثقت ثنائيات كثيرة مشابهة•• يمكن تتبعها على كل مستويات العمل السياسي كما تراه المجموعة القائدة لـ''الدعوة والتغيير''
.الفكــــــــــر.. البلاغ/ التصديق
لنبدأ على مستوى الفكر، حيث يسود منطق التلقين والإبلاغ، الذي يستدعي التصديق والإيمان مع استبعاد الحجة والدليل. فالفكر يقدم كتلة واحدة واحدة تعبر عن رأي الخاصة، ولا يتبقى للعامة (بمن في ذلك أصحاب الرئيس العام خارج نطاق الحركة) إلا التصديق والقبول. وفق هذا المنطق تتأسس ثنائية (البلاغ / التصديق)، حيث إن مناصرة ومجموعته لا يعتقدون أن للمناضلين والأتباع حق المعرفة والاقتناع، بدليل ما يروجونه، اليوم، عن تزكية ''سرية'' يمتلكونها وسيظهرونها في الوقت الملائم، وهم بهذا يرتكبون ذنبا مزودجا: أولا اتهام جماعة الإخوان، وعلى رأسها المرشد العام بالكذب، وثانيا وسم المناضلين بالغباء والسذاجة ومحاولة جرهم إلى باطنية جديدة يستبدل فيها ''الإمام الغائب'' بـ ''تزكية سرية''. كما إنهم لا يرون أن للمناضلين، وحتى للرأي العام، حقا في الحكم بنفسه على آراء وحجج ومواقف متعارضة. وتتكرر ثنائية (البلاغ / التصديق) وما على المتابع إلا قراءة التصريحات الصحفية المتوالية لمجموعة عبد المجيد مناصرة. ولنضرب لذلك مثالين: يتعلق الأول باتهام قيادة حمس الحالية وعلى رأسها أبو جرة سلطاني بالانحراف عن منهج الشيخ محفوظ نحناح (رحمة الله عليه) ورغم تكرار التهمة عشرات المرات على صفحات الجرائد وعلى شاشات التلفزيونات، إلا أن القائلين بها لم يقدموا نموذجا واحدا على هذا الانحراف، علما أنهم خلال مرحلة التفاوض التي سبقت الانشقاق تمسكوا بما يعرف بـ''وثيقة لندن'' باعتبارها خلاصة مطالبهم لتحقيق الصلح والوحدة. ولم تتضمن الوثيقة المذكورة أية إشارة أو مطلب، لا تلميحا ولا تصريحا، فيما يتعلق بمنهج الحركة أو خطها السياسي والفكري!! المثال الثاني لثنائية (البلاغ / التصديق) في مجال الفكر، يتعلق بتأكيدهم في تصريحات كثيرة بأن حركة حمس لا تعنيهم منذ أن أسسوا مجموعتهم الجديدة! وهذا منطق مقبول ومحترم، لكنه يتحول إلى بلاغ (مخادع) عندما نرى كيف أنهم صاغوا بيانهم التأسيسي''حصريا'' على توجيه اتهامات لقيادة حمس الحالية، وعلى دعوة مناضليها للانشقاق والالتحاق بهم! فالبيان لم يتضمن نقدا أو تقييما للسلطة (والتي يتهمون أبو جرة بالارتماء في أحضانها!) ولم يتضمن نقدا أو تقييما حتى للوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي العام، ولا للطبقة السياسية الوطنية.. كأن كل شئ على ما يرام في هذه البلاد ولا يعكر صفو الوجود إلا أبو جرة ورفاقه!! كما لم يوجه النداء إلى عموم المواطنين الذين قد يقتنعون بفكر وطروحات موقعيه.. ولا اهتم البيان، على الأقل، بأبناء التيار الإسلامي الواسع الذين لا يجد كثير منهم فضاء أو إطارا للعمل.. إن مؤسسي ''الدعوة والتغيير'' تركوا الشعب الجزائري برمته، وحصروا نداءهم في مناضلي حمس (التي لا تعنيهم!) وعلى نفس المنوال، سارت بيانات الالتحاق (النواب، المنتخبون، النساء...) جميعها موجهة حصريا إلى مناضلي حمس دون سواهم! ماذا كان يضرهم لو تركوا أبوابهم مفتوحة لكل من قد يقتنع بهم؟! لكنهم لم يفعلوا، بل إنهم فعلوا عكس ما أعلنوا.. حكمتهم في ذلك ثنائية (البلاغ/ التصديق) توهما منهم أن ''العامة'' ستصدق وتؤمن بكل ما تنطق به ''الخاصة'' لمجرد أنه صادر عنها (الخاصة) وهي المستأثرة بالعقل والعلم والفهم والحكمة.. دون الآخرين!
المسؤولـــــــــية.. الصفة/ التعيين
تأسيس آخر على ثنائية (الخاصة/ العامة) انسحب على تصور المسؤولية (أو مناصب ومواقع المسؤولية بتعبير أدق)، وبنى ثنائية جديدة قوامها (الصفة/ التعيين) تحمل رفضا صريحا وهدما مباشرا لكل مبادئ الشورى وقيم الديمقراطية المبنية على الاختيار والتداول والانتخاب• ظهر هذا في سعي مجموعة مناصرة للوصول إلى المسؤوليات والمناصب التي فشلوا في بلوغها بصندوق الاقتراع خلال المؤتمر، عن طريق التعيينات التي استصدروها في ''وثيقة لندن'' المذكورة والتي لم تتضمن شيئا آخر سوى المطالبة بالمناصب!
النضــــــــال.. الأمر/ الطاعة
منطق تسيير الحركة والعمل داخلها، في نظر هذه المجموعة، منبثق هو الآخر عن الثنائية الأصل، ثنائية (الخاصة /العامة) ويتجسد في ثنائية أخرى هي ثنائية (الأمر/ الطاعة ) التي ينتفي فيها حق الاعتراض والمراجعة، ويغيب التشاور وتتحول الشورى إلى استشارة مُعلمة لا إلزام فيها ولا التزام. بهذه النظرة يسوّقون، اليوم، لفكر الطاعة العمياء للقرارات الفوقية. فـ''وثيقة لندن'' غير قابلة للمراجعة، و''قرار لاهور'' لا يقبل النقاش، و''التزكية السرية'' تقتضي الطاعة والانقياد بظهر الغيب! ويحتجون على القيادة الوطنية بضرورة طاعة قيادة عالمية! (يمتلكون وحدهم سر تأويل أقوالها وتصريحاتها!!) ويتناسون أنهم تمردوا وانشقوا في وضح النهار على هذه القيادة الوطنية.. التي يفترض أن منطقهم يقضي بطاعتها! لكن ما لا يجب نسيانه هو أن الطاعة- في وعيهم وفي لا وعيهم- هي الطاعة لهم من قبل (العامة) وليس طاعتهم هم (الخاصة) لسواهم !!
ثنائيات التغيير البنّاء
غني عن التذكير أن القطيعة قد تمت داخل حمس، وأن عقد الوحدة الماضية قد انفرط، وأن الأمور كانت ستكون غير ما هي عليه لو أن الذين آثروا السير في فضاء آخر، كفوا فعلا عن الانشغال بحمس والاشتغال بها. لكن والحال غير ذلك، فقد يكون الأجدى تحويل الفصال إلى تمايز بنّاء يؤسس على ثنائيات تجديدية، تهدم الأوهام الموسسة للتغيير المغلوط.. فتستبدل (الخاصة / العامة) بـ (القيادة المسؤولة/ المناضلون المتساوون) وتستعيض عن منطق (البلاغ / التصديق) بالتلازم بين (الحجة/ الاقتناع)، وتخرج من نفق (الصفة / التعيين) إلى ساحة (الانتخاب /التداول) وتنهي زمن (الأمر/ الطاعة) وتدخل عهد (الشورى / القرار).. عندها فقط قد ينتهي السجال العقيم حقيقة، ونصدق فعلا أن حمس لم تعد تعني مناصرة وأتباعه!
___________ * مدير جريدة البلاد | |
|