حمس لرجام عاملي
عدد الرسائل : 1902 العمر : 62 العمل/الترفيه : الأنترنت تاريخ التسجيل : 04/09/2008
| موضوع: اكف جارك ...... السبت أغسطس 22, 2009 8:15 pm | |
| الإسلام دين ترابط وتآلف، وتآخٍ وتكاتف، وهو دين يدعو أبناءه إلى المحبة، ويناشد المجتمع بتوثيق عرى الصلة على مستوى صغاره وكباره, وقد أقام العلائق بين الخلائق على أساس من التراحم والتعاطف فقال - سبحانه -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}1, وأعظم من حَضَّ الإسلام على الإحسان إليه، وأكَّد على حسن معاملته، وحثَّ على غاية التلاطف معه، وحذَّر أشد الحذر من إيذائه وتجريحه؛ هو الجار ولصيق الدار، وهو نفس الأمر الذي كان معهوداً عند كثير من العرب لأصالة معدنهم، وطيب مخبرهم - في الجاهلية والإسلام -، حتى إنهم كانوا ليتفاخرون بحسن الجوار، ويثمنون الدار على قدر حسن أدب الجار فيقول أحدهم:
يلومونني أن بعت بالرخص منزلي ولم يعرفوا جاراً هناك ينغص
فقلت لهـم كفـوا المـلام فإنها بجيرانها تغلوا الديار وترخص
وتراهم يندبون على اختيار الجار قبل شراء الدار:
اطلب لنفسك جيراناً تجاورهم لا تصلح الدار حتى يصلح الجار
فجاء الإسلام ليحفظ لهذا الجار حقه العظيم، ويوصي بذلك في كتابه الكريم فقال - سبحانه -: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ...}2, وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن: ((خير الأصحاب عند الله خيره لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره))3.
بل وجعل الشارع الحكيم أذية الجار سبباً لاستحقاق النار - عياذاً بالله - ولو كان المرء صاحب طاعة وعبادة؛ فقد ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً قال: "يا رسول الله إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: ((هي في النار)).4
ونفي المصطفى - صلى الله عليه وسلم – الإيمان عمن لا يسلم جيرانه من شره فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن)) قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: ((الذي لا يأمن جاره بوائقه))5, فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
أقـول لجـاري إذا أتاني معاتبــاً مدلاً بحــق أو مدلاً بباطل
إذا لم يصل خيري وأنت مجـاوري إليك فما شري إليك بواصل
كل هذا تنويهاً بشأن الجار، وجلالة مكانته وقدره، فكيف بك أيها المسكين حين تقف بين يدي رب العالمين، وجارك يشتكيك ويقول: يا رب إن جاري هذا لم يرع حق الجيرة، ولم يحسن معي السيرة، آذاني بعينه ينظر إلى محارمي، وبسمعه يتسلط على أسراري، وبلسانه يتفكه بمعايبي.
فيا ابن الإسلام: إن حق جارك عليك عظيم.
فمن حقه عليك إن مرض أن تعوده، وإن مات أن تشيعه، وإن استقرض وأنت قادر أن تقرضه، وإن أعوز أن تستره، وإن أصاب خيراً أن تهنئه، وإن أصيب بمصيبة أن تعزيه، وألا ترفع بناءك على بنائه لتؤذيه، وإذا رأيته على منكر أن تنهاه، وإذا رأيته على معروف أن تعينه عليه، فربما تعلق برقبتك يوم القيامة فيقول: رب .. هذا رآني على منكر فلم يأمرنِي ولم ينهانِي.
ومن حق الجار أيضاً تجاه جاره أن يتحسس حاله، وأن يتفقد حاله ومعاشه، وأن يغنيه ذل السؤال إن كان معوزاً محتاجاً يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم بِه))6, ويتأكد هذا الحق خاصة إذا أهلَّ علينا شهر رمضان المبارك، وأناخ بوادينا أيامه ولياليه العاطرة، وليكن الواحد منا دأبه دأب هذا القائل:
إذا ما عملتِ الزاد فالتمسي له أكيــلاً فإني لست آكله وحدي
كريماً قصيّاً أو قريبــاً فإنني أخاف مذمّات الأحاديث من بعدي
وكيف يُسيغُ المرء زاداً وجاره خفيف المعي بادي الخصاصة والجهد
وللموت خير من زيارة باخل يلاحظ أطراف الأكيـل على عمد
وإني لعبد الضيف ما دام ثاوياً وما فيّ إلا تلك من شيــمة العبد7
فإذا ما أصبح كل فرد يهتم بجاره، ويتفقد أحواله؛ ساد في المجتمع روح الإخاء بين أفراده، وخيمت سحب المودة على قلوب صغاره وكباره، وعاشوا أنعم عيش، واختفى البؤس وشظف العيش.
وإن من كمال الغبطة أن ينضاف إلى ملاصقة الدار صلاح الجار، فهذا هو الأخ الذي لم تلده أمك، وهذه السعادة التي أخبر عنها نبيك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء))8؛ أتدري لماذا؟ لأن الجار الصالح يدفعه صلاحه لأن يذب عن عرضك، ويعرف معروفك، ويكتم عيوبك، فيفرح إذا فرحت، ويتألم إذا حزنت.
وإن من المؤسف حقاً في هذه الأزمنة المتأخرة أن تلمس الإعراض عن الجار في كثير من الأحياء والبيوت، فتجد الجار لا يعرف جاره، ولا اسمه ولا عنوانه، ولا غناه ولا فقره - ولا حول ولا قوة إلا بالله -.
فاتق الله أخي في جارك ذو الرحم القريب، وجارك المسلم الغريب.
نسأل الله - تبارك وتعالى - أن يوفقنا للقيام بحقوق الجار, وأن يستخدمنا في خدمة عباده الأخيار والأطهار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
1 سورة الحجرات (13). 2 سورة النساء (36). 3 رواه الترمذي برقم (1944) وقال الترمذي: حسن غريب؛ وأحمد في المسند برقم (6566)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده قوي على شرط مسلم؛ والبخاري في الأدب المفرد برقم (115)؛ وابن حبان برقم ( 518)؛ وابن خزيمة في صحيحه برقم (2539)؛ وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد برقم (84). 4 رواه أحمد في المسند برقم (9673)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن؛ والحاكم في المستدرك برقم (7304) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه؛ وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (2560). 5 رواه البخاري برقم (5670). 6 رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم (751)؛ وابن أبي شيبة في المصنف برقم (30359)؛ وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5505)؛ وفي الجامع الصغير وزيادته برقم (10442). 7 زهر الأكم في الأمثال والحكم (255) الشاملة. 8 رواه ابن حبان في صحيحه برقم (4032)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط البخاري؛ والبيهقي في شعب الإيمان برقم (9556)؛ وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (887)؛ وفي السلسلة الصحيحة برقم (282). | |
|
فاروق مناصر
عدد الرسائل : 169 العمر : 41 العمل/الترفيه : التربص المزاج : متفائل تاريخ التسجيل : 16/02/2009
| موضوع: رد: اكف جارك ...... الأحد أغسطس 23, 2009 2:50 pm | |
| | |
|