حمس لرجام عاملي
عدد الرسائل : 1902 العمر : 62 العمل/الترفيه : الأنترنت تاريخ التسجيل : 04/09/2008
| موضوع: جيل الترجيح: دلالات الاسم وأصوله الأربعاء سبتمبر 30, 2009 8:29 pm | |
| عرفت فعاليات ملتقى أكاديمية جيل الترجيح إبداعات وتوفيقات وتشجيعات كبيرة غير أن أحسن مشهد حضرته في هذه الفعاليات شهادة الأستاذ الكبير منير الغضبان عن اسم هذا المشروع المبارك حيث قال: حينما سمعت للوهلة الأولى عبارة "جيل الترجيح" لم تعجبني العبارة ولكن حينما تذكرت الحديث الصحيح لذي يقول فيه ابن عمر رضي الله عنهما
: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال (( رأيت آنفا كأني أعطيت المقاليد والموازين فأما المقاليد فهي المفاتيح فوضعت في كفة ووضعت أمتي في كفه فرجحتُ بهم ثم جيء بأبي بكر فرجَح بهم ثم جيء بعمر فرجَح بهم ثم جيء بعثمان فرجَح بهم ثم رُفعت فقال له رجل : فأين نحن قال : أنتم حيث جعلتم أنفسكم )) علمت بأن اختيار اسم جيل الترجيح فيه توفيق من الله. لما أردنا إطلاق مشروعنا لم نكن في حيرة كبيرة من أمرنا في اختيار الاسم اللائق له، كان علينا أن نختار بين مقترحَين فقط، المقترح الأول هو الاسم الذي عُرف واشتهرَ أي" جيل الترجيح"، والاسم الثاني اسم أكشف الآن عنه: هو "جيل النهوض". لا شك أن هذا الاسم الأخير لائق بشروعنا ومناسب لأهدافنا فنحن نريد صناعة جيل ينهض بالأمة ويعيدها لمجدها وسؤددها بعد أن ينهض بنفسه فيرتفع إلى المعالي بأخلاقه وسمته وعلمه ومهاراته وفاعليته، و في كل الأحوال سيبقى هذا الاسم حاضرا في أذهاننا وسنسمي به مشروعا من مشاريعنا الكبرى في أكاديميتنا بحول الله. غير أنه لم يرجح أمام اسم " جيل الترجيح" لأسباب عدة منها ارتباط كلمة الترجيح بحديث مبارك لرسول الله يرتبط بالمعنى الذي نريد، ولأنني، علاوة على ذلك، قد علمت أن كلمة "النهوض" استُعملت مؤخرا لمؤسستين إسلاميتين جديدتين أحدهما في مصر والأخرى في الأردن وقد دُعيت أن أكون عضوا مؤسسا في أحدهما باسم مركز البصيرة الذي أديره باعتبار أن المشروع يتعلق بتأسيس شبكة دولية لمراكز الدراسات الإسلامية. كما أن عبارة "النهوض"، على علو مغزاها، الم تصمد أمام كلمة " الترجيح" لأن عبارة "النهوض" عبارة مستعملة استُعيرت كعنوان لمؤلفات كثيرة ومحاضرات عديدة وهي توحي في كل هذه الاستعمالات إلى معنى عام مهم، ولكنه لا يتميز بالدقة التي توفرها كلمة الترجيح في المشروع الذي نريد. إن اختيارنا لعبارة "جيل الترجيح" يرتكز إذن على معيارين أساسين أولهما أن يكون الاختيار جديدا غير مسبوق وقبلها أن يحمل المعنى كاملا لما نريده من مشروعنا. أما السبق فهو بكل تأكيد سبق، لم نقل ذلك حتى تأكدنا منه، ويكفي أن تكتب على محركات البحث في الأنترنيت كلمة " جيل الترجيح" فلا يخرج لك إلى حد الآن إلا حديث عن مشروعنا، ولك أن تبحث في مواقع المكتبات والمؤتمرات فلا تلمح من التعابير ما يتصل بتعبيرنا، وأما عن المغزى، وهو الأهم، فإن الذي نريده بهذا الاسم أن نساهم في صناعة بيئة تُخرج قادة متميزين عن عموم الناس، ترجَح كفتُهم إذا وُضعوا في كفة ووُضع غيرُهم في كفة، تماما كما ورد في الحديث الذي افتتحنا به مقالنا، قادة لا ينتمون إلى تلك الفئة من الناس، بل تلك الفئة من القادة، الذين يعيشون حياةً عاديةً ويموتون ميتةً عاديةً ويتركون أثرا عاديا بعد مماتهم. هؤلاء عدُدهم في الأمة كثير، بل إنهم أمام الأزمات التي تمر بها الأمة يصيرون مجرد أرقام توضع في خانات تعداد السكان، لا تسمن ولا تغني من جوع، بل هي في حالات كهذه غثاء كغثاء السيل لا يشفي غليل عاطِش ولا يسعف أرضا تَجفُّ. وحينما أقول هذا لا أنكر أهمية العدد في صعود الأمم ونزولها فقد ذكر الله تعالى القلَّة في موضع الضعف فقال: (( واذْكُرُوا إذْ أنْتُمْ قَلِيلٌ مُستَضْعفُون في الأرْضِ تَخافُونَ أَن يَّتَخطّفكُم النَّاسَ فَآوَاكُم وأَيَّدكُم بِنصْرِهِ وَرزَقكُم مِّن الطَّيبَاتِ لَعلَّكُم تَشْكُرُون)) الأنفال 26 وامتن على المؤمنين بأن جعلهم أكثر عددا فقال ((واذكُرُوا إِذ كُنتُم قَلِيلاً فَكَثَّركُم)) الأعراف86، كما أن المتخصصين في الدراسات الإستراتيجية القدامى والمعاصرين يؤكدون بأن كثرة عدد السكان من أهم عناصر القوة للدول، سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو العسكري. و ما قوة الصين الاقتصادية إلا بكثرة عدد سكانها، وما كان لأمريكا أن تغزو أسواق العالم لو لم تنطلق من قوة استهلاكية داخلية واسعة، وما كان لها أن تُرسل عساكرها في كل أنحاء الدنيا لو لا عددهم الكبير. غير أن عدد الخلق في أي أرض لن يُجدي نفعا مهما كثر إن لم يكن في مقدمتهم قادة يتميزون عنهم بالقدرة على قيادتهم، بما يجعل عددهم نافعا لهم، وإلا كان ذاك العدد وبالا عليهم... إنه لا يقود أمريكا للهيمنة على العالم إلا اثنان بالمئة من سكانها بل أقل... وكم يتفنن في المقابل قادة أمتنا الفاشلون في دعوة شعوبهم لتحديد النسل بدل تحويل وفرة الذرية إلى قوة أقوى من القنبلة الذرية ! إن أمتنا اليوم في حاجة ماسة إلى قادة متميزين، في حاجة ملحة لمن يهتم بهذه الصنعة فهي أحوج الحاجات وتوفيرها من أوجب الواجبات، يأثم المسلمون جميعا إن لم يقم فيهم من يهتم بتأليفها وتوفيرها إلى أن يحقق الاكتفاء منها. ولعل هذا الذي جعل الدكتور علي الحمادي يقول حينما زارنا محاضرا في ملتقى الأكاديمة: "إن هذا الذي تصنعون هو أهم شيء تُنجزونه في حركتكم، بل إنه أهم من دخولكم البرلمان". لقد صدق الدكتور الحمادي مهما كان مبالغا في مدحنا، ومهما قلنا لتحصين أنفسنا "اللهم اغفر لنا ما لا يعلمون ولا تؤاخذنا بما بقولون واجعلنا خيرا مما يظنون"، إذ ما الذي ينقص أمتنا اليوم لكي تنهض؟ إنها تزخر بمقدرات اقتصادية لا حد لها، وتحتل موقعا استراتيجيا لا يَنعم به غيْرها، وكثرةٌ وتنوعٌ في عدد السكان لا قبل للأمم بها، و حضارةٌ راقيةٌ مُلهمةٌ هي مصدر عزِّها. ما الذي ينقصها إذن؟ إن الذي ينقصها هو أن يبرز فيها من يجعل نفسه مع أبي بكر وعمر عثمان وعلي ومن على شاكلتهم فيرجَحون في أمتهم بما رجح به هؤلاء. إن الذي ينقصها هو أن يبرز فيها من يملك المقاليد، من يملك المفاتيح والموازين لكي يحل مشاكلها فيخرجها من تخلفها وضعفها، ويضعها في الموقع الذي هي أهل له من العز والمجد والسؤدد كما كانت من قبل، حينما كانت المقاليد والموازين التي تُستعمل في حياة وقيادة الناس هي المقاليد والموازين التي أٌعطِيَها الرسول عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. إن شرف أكاديمية " جيل الترجيح" بل بركتها وعاجل بشراها أنَّ عنوانها له أصل من وحي السنة النبوية الشريفة ورسالتها منصوص عليها في حديث صحيح لرسول الله الكريم، حديث هو منهج شامل للنهوض الحضاري، يتحدث فيه المصطفى عن المقاليد التي هي المفاتيح، وكم نحن في حاجة لمن يُؤتَى المفاتيحُ ليفتَح بها أبوابا أُغلقت ومسائل أُشكلت وكربات استُحكمت، ويتحدث عن الموازين وكم نحن في حاجة لمن يزن بالقسطاس المستقيم إذا أحب أوكره، وإذا حدّث أو فعل، وإذا قضى أو حكم، ثم يتحدث عن الترجيح وكم نحن في حاجة لراجحٍ ولمن يَرجَحُ ويُرجِّح، ثم يجعل مصائر الناس وفق ما يريدون، وكم نحن في حاجة لمن يحزم أمره فيجعل نفسه حيث جيل الترجيح، أولائك الذين يزنون في الميزان كوزن أبي بكر وعمر وعثمان... وما ذلك على الله بعزيز. وخلاصة القول لما سبق: أن فلسفة شعارنا و مغزى عنواننا الذي سمَّينا به أكاديميتنا يعني لنا أننَّا نريد إخراج جيل: ـ تُسلَّم له مقاليد القيادة .... ـ فيكون بها مفتاحا لكل خير، مغلاقا لكل شر.... ـ يقود الأمة بموازين الرسالة المحمدية... ـ راجحٌ في عقله ونفسه وعلمه وسلوكه وفعله.... ـ يرجحُ إذا وُزن بغيره ولو كانوا ألوفا بل ملايين.. ـ يرجِّح الكفة لصالح الخير ويحسم الأمر لصالح الأمة... ـ يسير دوما حيث سير الراشدين ويَثبُت طوعا على هدي المرسلين ... ـ إلى أن يلقى الله وهو عنه وعنا راض. وقبل الختام أقول: هل سيكون هؤلاء الشباب المشاركون في الأكاديمية في مستوى هذه التطلعات؟ هل سيتحملون مسؤولية الثقة التي وُضعت فيهم؟ ماذا سيقولون بعد سنوات لمن آمن بمشروعهم وجهدهم، ماذا سيقولون بعد سنوات للدكتور أحمد نوفل حينما سألوه عن مشروعهم في زيارته لهم قبل أن يحاضر فيهم:"هذا المشروع رائد ومشروع عظيم....ما أنتم فيه أسوة لإخوانكم في المشرق، وسننقل تجربتكم من المغرب إلى المشرق، إن شاء الله تعالى، لأنكم أنتم أصبحتم بهذا الجهد مدرسة وطليعة لإخوانكم المسلمين في كل مكان". لقد حدد لهم الشيخ أحمد بوساق مسؤوليتهم بدقة حينما زارهم محاضرا هو الآخر، فهل سيعون ما قال: " إن مصير الدعوة هو بأيديهم ( أي جيل الترجيح) فنجاحهم في هذا المشروع هو استنهاض لجميع همم المسلمين في كل أنحاء العالم، وإعطاؤهم الثقة والأمل في حصول التغيير المنشود، وأي فشل فإنه سيؤدي إلى الإحباط وترك المحاولات، ولذلك فإننا نعد هذا المشروع أمانة في أعناقهم وينبغي أن يبذلوا وسعهم ويستفرغوا جهدهم، بلا كلل ولا ملل، وأن يحتسبوا أعمالهم لله تعالى، لإنجاز أفضل وأعظم مشروع تم التخطيط وبناؤه على أسس علمية ومنطلقات شرعية". لا أريد أن أثقل على هؤلاء القادة الشباب بل أقول لهم واثقا بالله، ثم واثقا بهم: " أنتم على كل هذا قادرون ولغد أمجد جاهزون، وستُظهِرون لنا الأمارة الأولى على التزامكم بما اتفقنا عليه في أقل من شهر، في أول دورة تربوية مرتقبة بحول الله". الدكتور عبد الرزاق مقري | |
|