حمس لرجام عاملي
عدد الرسائل : 1902 العمر : 62 العمل/الترفيه : الأنترنت تاريخ التسجيل : 04/09/2008
| موضوع: الأملاك الوقفية في الجزائر الأربعاء نوفمبر 04, 2009 11:25 pm | |
| الوقف في الجزائر أولاً: وضع نظام الوقف بالجزائر خلال الحقبة الاستعمارية: لقد كانت الحرب التي خاضتها الإدارة الاستعمارية الفرنسية ضد الشعب الجزائري شاملة، من إبادة للجنس البشري و طمس معالم المجتمع الجزائري العربية و الإسلامية، و هدم لمؤسساته الدينية و الثقافية و شن الحملات العسكرية دون هوادة...و لم تكن معاهدة الاستسلام في 5 جويلية 1830 بين الكونت دي بورمون قائد جيوش الاحتلال الفرنسي و حاكم الجزائر الداي حسين إلاّ إخضاع الضعيف للقوي و المغلوب للغالب. وعلى الرغم من أنّ البند الخامس منها ينص على عدم المساس بالدين الإسلامي و لا المساس بأملاك الشعب الجزائري، و لا تجارتهم و لا صناعتهم، إلاّ أنّ الممتلكات الخاصة و العامة و كذا الأوقاف، كلها تعرضت للسطو و النهب. فقد قام الاحتلال بضم الأملاك الخاصة من أراض و مساكن إلى سلطة الاحتلال، حيث تم إفتكاك أكثر من 168 ألف هكتار في منطقة الجزائر و حدها، يضاف إليها عملية تجميع القبائل و تجريدهم من أراضيهم في إطار قانون كان قد أصدره الوالي العام راندون، وبدأ بتطبيقه ابتداء من عام 1863، و لم يتحصل أصحابها على أي تعويض. كما أن المحلات التجارية سلبت من الجزائريين و أعطيت لليهود بالدرجة الأولى، وقد عبّر جانتي دي بو سي عن هذه السياسة بقوله: "إننا أخذنا الجزائر، فنحن أصحابها بلا منازع و سنعمل فيها كل ما يحلوا لنا سواء من ناحية الهدم أو غيره..." بدورها الأملاك العامة التي تتمثل في التركة التي تركها وراءه الداي حسين و كان في مقدمتها أموال الجزائرية المودعة في الخزينة العامة للإيالة و التي قدرت بـ50 مليون دولار، فقد إستولت عليها سلطات الاحتلال و اعتبرتها ملكا لها... كذلك الأوقاف الإسلامية التي تم الاستيلاء عليها بموجب أمر مؤرخ في 8 سبتمبر 1830 ثم تبعه أمرا ثانيا في 7 ديسمبر 1830 الذي يخول للحاكم العام حتى التصرف في الأملاك الدينية بالتأجير أو بالكراء، وبهذه الأوامر تم تأميم الممتلكات العامة التي أصبحت تحت تصرف المعمرين فيما بعد، حيث باعت لهم الإدارة الفرنسية من أملاك الأوقات ما قيمته 4.495.839 فرنك، و يشير بهذا الخصوص الأستاذ بنعبد الله إلى سيطرة الاستعمار الفرنسي على الأوقاف في كل من الجزائر وتونس فيقول: "...وهكذا عملت فرنسا في الجزائر وتونس اللتين كانتا قبل الاحتلال الفرنسي تتوفران على أوقاف غنية وفيرة، فلم تكد فرنسا تستولي على القطرين الشقيقين حتى بسطت يدها إلى أحباس -أوقاف- المسلمين، وضمت الأحباس الإسلامية الجزائرية إلى أملاك الدولة... ". كما امتدت معاول الهدم إلى الممتلكات العامة في كل المدن الكبرى، حيث لم يكتف جنود الاحتلال بقطع الأشجار، و ثقبوا أنابيب المياه و هدموا سواقيها إلى جانب تغيير أسماء الشوارع و تهديم الأسواق التي راجت آنذاك و حوّلت إلى ساحات عامة كما تم تهديم عدة منازل في العاصمة لإقامة ساحة الحكومة وحوّلت هذه الأملاك كذلك إلى ملاهي و محافل دينية و مقاهي على الطراز الفرنسي يمكننا في الأخير إضافة مايلي بخصوص وضعية الوقف خلال الاحتلال الفرنسي: ينقل الدكتور سعد الله حول الأملاك بصفة عامة و الوقف بشكل خاص ما يلي: أملاك البايلك ( الدولة ) كان عددها 5000 ( خمسة آلاف ) ملكية ، تحوّلت إلى الإدارة الاستعمارية و قد شملت عدة منشآت منها الثكنات و المباني الرسمية و ممتلكات الحكام و الوزراء و كبار الموظفين في الحكومة الجزائرية. أملاك بيت المال: و هي ما يعود إلى بيت المال من الأملاك التي يتم إحتجازها و ليس لها وريث. الأملاك الخاصة: و هي متعددة منها العقار و نحوه. أملاك الأوقاف: على الرغم من كونها أملاكا عامة إلاّ أنها كانت على أنواع متعددة: أولها: أوقاف مكة و المدينة و هي كثيرة وغنية، و ثانيها : أوقاف المساجد و الجوامع، ثالثها أوقاف الزوايا و الأضرحة ورابعها أوقاف الأندلس ثم أوقاف الأشراف و سادسها أوقاف الانكشارية و سابعها أوقاف الطرق العامة يضاف إليها أوقاف عيون المياه...وقد ركزت السياسة الاستعمارية معاول هدمها على المؤسسات الدينية، وعلى رأسها المساجد و الجوامع و المدارس و الزوايا، لما لهذه المؤسسات، من دور في الحفاظ على مقومات الشعب الجزائري و انتماءه الحضاري العربي الإسلامي. و كان من نتائج سياسة الهدم هذه، تدهور الثقافة و المستوى التعليمي في المجتمع الجزائري، مما مكن الإدارة الاستعمارية و المستوطنين. ومن بين هذه المؤسسات نذكر، المساجد و الجوامع كمثال عن الهمجية الفرنسية البربرية.كانت مدينة الجزائر تضم و حدها 176 مسجدا قبل الاحتلال الفرنسي لينخفض هذا العدد سنة 1899 ليصل إلى خمسة فقط ،و أهم المساجد التي عبث بها الاحتلال نذكر: - جامع القصبة تحول إلى كنيسة الصليب المقدس. - جامع علي بتشين تحول إلى كنسية سيدة النصر. - جامع كتشاوة حول إلى كنسية بعد أن أباد الجيش الفرنسي حوالي 4000 مصلي إعتصموا به، و القائمة طويلة.
و كان الحال نفسه في باقي المدن الجزائرية، و تعرضت الزوايا إلى نفس أعمال الهدم و البيع و التحويل، إذ لقيت نفس مصير المساجد و الجوامع.و حسب الإحصائيات الفرنسية، فقد تعرضت 349 زاوية إلى الهدم و الاستيلاء.. وقد عرفت المدارس نفس المصير، كمدرسة الجامع الكبير و مدرسة جامع السيدة وكمثال عن التدمير الذي تعرضت له هذه المؤسسات، نذكر أنه في مدينة عنابة، كان بها قبل الاحتلال 39 مدرسة إلى جانب المدارس التابعة للمساجد، لم يبق منها إلا 3 مدارس فقط. ولقد لخص أحد جنرالات فرنسا في تقريره إلى نابليون الثالث إصرار الإدارة الفرنسية على محاربة المؤسسات الثقافية الجزائرية، قائلا: "يجب علينا أن نضع العراقيل أمام المدارس الإسلامية ...كلما استطعنا إلى ذلك سبيلا... و بعبارة أخرى يجب أن يكون هدفنا هو تحطيم الشعب الجزائري ماديا و معنوياً. ثانياً: جوانب اهتمام الجزائر بنظام الوقف، و أفاقه المستقبلية:
على الرغم من الدور المتواضع الذي يلعبه الوقف إلى الآن في تقديم الخدمات العمومية التي يحتاجها المجتمع الجزائري كتوفير التمويل الضروري لكفالة طلبة العلم و ملاجئ الأيتام...و هو الدور الذي تكفلت به الدولة بشكل مباشر مستخدمة طرق أخرى لتمويله (كالتمويل المباشر من الخزينة العمومية)، و مما لا شك فيه أن الوقف سيساعد على رفع حمل كبير عن كاهل الدولة و المتمثل في توفير التمويل اللازم لبعض الأنشطة (كتلك المشار إليها: التعليم، كفالة الأيتام، الاهتمام بالطبقات الفقيرة من المجتمع وغيرها كثير. ...) و لا يمكننا بأي حال من الأحوال الزعم أن الوقف جانب قد تم إهماله في استراتيجيات الدولة (سواء للتنمية و محاربة الفقر...) لكن بعض جوانب القصور في الاهتمام به تعود لاعتبارات تاريخية (الحقبة الاستعمارية على وجه الخصوص على النحو الذي تم الإشارة إليه) ثم لاعتبارات اجتماعية إلى حد ما، فاسترجاع بعض الأوقاف من شأنه إثارة بعض المشاكل الاجتماعية و ربما السياسية، فبعض الأملاك الوقفية و التي أصبحت في الوقت الحالي أملاكاً خاصة أصبح من الصعب استرجاعها و لعل أهم مؤشر على الاهتمام بهذا الجانب المهم في النظام الإسلامي هو وجود وزارة خاصة به: وزارة الشؤون الدينية و الأوقاف، بالإضافة إلى مؤشرات أخرى نذكر منها:
1- إصدار قانون خاص بالأوقاف:
عموماً مرت عملية تقنين أحكام الوقف في العالم العربي بمرحلتين: الأولى بدأت في مصر في أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة، وذلك بإصدار أول تقنين للوقف في العالم العربي سنة 1946م، وتلتها كل من الأردن ولبنان وسوريا والكويت. الثانية بدأت في العقد الأخير من القرن العشرين الماضي، وشهدت الجزائر أول حلقاتها بإصدار قانون الوقف سنة 1991م، وتلتها على مدى سنوات العقد الأخير كل من اليمن، وقطر، وموريتانيا، والإمارات العربية، وسلطنة عمان، وأخيرا المملكة الأردنية، التي أصدرت في سنة 2001م تقنينا احتوى على عدد مهم من الاجتهادات الجديدة بشأن الوقف. و عموماً نلحظ أن تقنين الوقف بالجزائر مقارنة بكثير من الدول العربية قد تم مبكراً...و لعل ذلك مما يبرز الاهتمام بهذا النظام الأساسي الذي يعتبر من مقومات أي مجتمع مسلم....
2- تنظيم ندوات علمية حول الوقف الإسلامي:
و من أمثلتها تلك التي نظمتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية قسم التاريخ بجامعة "الأمير عبد القادر" للعلوم الإسلامية بقسنطينة، وبمشاركة عدة أساتذة يمثلون بعض جامعات الجزائر.
وشكلت قضية الوقف الإسلامي في الجزائر، محور الندوة التي تخللتها إلقاء عدة مداخلات عالجت في مجملها مسألة الوقف وتبسيط مفهومه الذي هو عبارة عن حبس ممتلكات سواء كانت منقولات أو عقارات إلى جهة أخرى، قصد الإستفادة منها في الجانب الإجتماعي والإنساني بصفة عامة، وأشار خلالها ممثل وزارة الشؤون الدينية والأوقاف المشارك في هذه الندوة إلى أهمية بعث مشاريع الوقف على مستوى التراب الوطني مع التركيز على دور الأوقاف على مستوى كل مديرية للقيام بعملية إحصاء الأملاك الوقفية وترتيب أولوياتها حيث تعتني من الناحية الهيكلية مديرية إستثمار الأملاك الوقفية بالوزارة على تطوير أساليب الإستثمار عن طريق الإيجار أو غيره
3- طبيعة نظرة الدولة إلى الأملاك الوقفية:
و التي حددها وزير الشؤون الدينية و الأوقاف بقوله: "أملاك الوقف هي ملك لجماعة المسلمين و الدولة مسؤولة عن تسييرها و إدارتها". و لاشك أن هذه هي النظرة الصحيحة إلى الوقف، فالنظرية الإسلامية في الوقف مستمدة من أن الملك لله، وما الإنسان إلا مستخلف فيه، يعمل به على تحقيق الروابط بين أفراد الجماعة الإسلامية في نطاق التضامن والتعاون والتكافل والتآخي عملا بقوله تعالى : "وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ"- سورة الحديد ، الآية 7- وقد كان الوقف بهذا المعنى، وما يزال عبادة وقربة وتعبيرا عن إرادة المسلم في فعل الخير ومشاركته في عملية التضامن الاجتماعي، وهو ينفذ حسب إرادة الواقف إذا كانت موافقة للشرع، ولا يصح بيعه ولا شراؤه ولا تفويته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.و هكذا ظل الوقف منذ صدر الإسلام سمة من سمات المجتمعات الإسلامية ومظهرا من مظاهر الحضارة العربية الإسلامية، مما جعل الدولة منذ القديم تهتم برعاية شؤون الأوقاف ضمانا لاستمرار مؤسسة الوقف وحماية لأملاكه من الغصب والانحراف.
وقد مارست الجزائر حياتها الدينية والعلمية والاجتماعية في إطار هذا النسق الإسلامي المتكامل، فأنشأت بذلك المساجد والزوايا ومدارس لتعليم القرآن الكريم والتربية والتعليم وغيرها من المؤسسات العلمية والخيرية والاجتماعية. ونظرا للفراغ القانوني في ميدان الأوقاف، تعرضت الأملاك الوقفية للغصب والاستيلاء عليها سواء من الخواص أو المؤسسات العمومية ضاربين بذلك الحكم الشرعي القاضي بأن أملاك الوقف ليست من الأملاك القابلة للتصرف فيها، ولا هي من أملاك الدولة بالمفهوم القانوني، وإنما هي ملك الجماعة المسلمة وعلى الدولة شرعا واجب الإشراف على تسييرها والحفاظ عليها وضمان صرف ريعها وفقا لإرادة المحبِّسين. وعلى هذا الأساس صدر أول نص قانوني ينظم الأملاك الوقفية في الجزائر عام 1991، ثم تلته تعديلات جديدة أدخلت عليه ومراسيم تنفيذية لتطبيقه. و مما لا شك فيه أن هذه النظرة من وزارة الشؤون الدينية لنظام الوقف تعزز هذا النظام من جهتين:الأولى: ترك الحرية للأفراد في الوقف كيفما شاؤوا بحيث يضمنون توجه عائد الوقف إلى الجهة التي استهدفوها. الثانية: قيام الدولة (و هي في حالتنا هذه وزارة الشؤون الدينية و الأوقاف) بإدارة و تسيير الأوقاف يمنح ضمانا بحسن تسييرها و أنها ستتوجه الوجهة الصحيحة لها، كما سيضمن استمرارها إلى ما شاء الله.
| |
|