عدد الرسائل : 1902 العمر : 62 العمل/الترفيه : الأنترنت تاريخ التسجيل : 04/09/2008
موضوع: لحساب من تقرع طبول الحرب ؟! الأربعاء نوفمبر 25, 2009 7:30 pm
مقدمة: الرياضة من الترويض، ومعناه: توجيه الطاقة الغضبية نحو البناء وذلك بالتدريب والاسترخاء والتنفس بهدوء، للتخلص من الضغط والوصول إلى حالة من التكيف مع الذات ومع المحيط العام يجعلك تشعر بالطمأنينة والسعادة ويجدد الثقة في نفسك ويعطيك فرصة للنظر إلى الحياة بإيجابية أكثر وإلى الدنيا بجمال والتعامل مع الناس بأخوة والتعاون معهم على كل ما هو بر وتقوى لدفع كل ماله صلة بالإثم والعدوان. هذا هو الأصل والمقصد من وراء كل نشاط رياضي، فلماذا تحولت الرياضة – فجأة ومن غير مقدمات – إلى ساحة حرب وضرب، وبفعل فاعل متربص نقلت الكرة الدائرية من أرضية الملعب لتقذف بها بعض الجهات عاليا من الملاعب إلى صفحات الجرائد ثم تتوسع إلى كل القنوات والمحطات المسموعة والمرئية وإلى كل وسائل الاتصال و مواقع الانترنت، ثم تتلقف الغوغاء "مواعيد عرقوب" وتشيعها في الناس إرجافا وتخويفا ويدخل على الخط بعض الرسميين ليسكبوا المزيد من زيت عواطف المناصرين على نار حسابات سياسية ضيقة بإطلاق تصريحات نارية مدوية ساهمت بعض القنوات التلفزيونية في تضخيمها حتى ليتخيل المشاهد أن إسرائيل قد انهزمت وأن الحصار سوف يفك على غزة وأن العبور إلى القدس بات وشيكا وأن الحائل الوحيد بيننا وبين تحرير الأراضي المقدسة هو " ماتش الفصل " الذي سوف يؤهل هذا أو ذاك إلى المونديال، وإذا سقط هذا أو ذاك فقد قامت قيامة الذين يبحثون عن الذرائع ليختزلوا طموحات مائة مليون مسلم في البلدين الشقيقين ( الجزائر ومصر) في 90 دقيقة تتقاذفها أقدام الفريقين في ملعب المريخ.
فلصالح من تقرع طبول الحرب بين الجزائر ومصر؟
1. حسابات خارج المونديال: الإسلام بريء من ثقافة اللعن والسب والشتم، ومن ممارسات التحطيم والتهشيم والاعتداء على أموال الناس وأعراضهم .. فما علاقة كرة القدم بأنظمة الحكم؟ وما دخل المطار في كرة القدم وما علاقة الاستثمار بالمونديال؟ فقد تعلمنا من ديننا – حتى في أخلاق الحرب والقتال – ألا نقطع شجرة، وألا نقتل طفلا أو عجوزا أو شيخا أو نتعرض لعابد أو ناسك في معبد أو صومعة ولا نذبح بقرة لغير حاجة ولا نتعرض لهارب بذمائه، وألا نطارد متوليا ولا نجهز على جريح ...الخ، هذا في عز الحرب القتالية الدموية إذا تواجه الجيشان العدوان على أرض المعركة وكلاهما عدو مبين لعدوه فما بالك إذا تعلق الأمر" بماتش " كرة قدم بين منتخبي شعبين شقيقين مازالا متعلقين ببعضهما رغم النفث العالي في كل العقد، ولن تتغير العلاقة العريقة بين الشعبين رغم تهويل النتائج:
• فما حصل في السودان هو في البداية " ماتش "بين منتخبي شعبين شقيقين، وبهذه الصفة كان يمكن أن تجري المقابلات الثلاث ودية بين أشقاء وليس هناك رابح وخاسر بل هناك فائز ومساعد على الفوز. • وهو في السياق العام "ماتش" تأهيل لمنتخب عربي سوف يمثل الأمة العربية كلها، وكان يمكن أن تباركه مصر وكل العرب وترعاه جامعة الدول العربية لو كانت هذه الجامعة "جامعة "؟! • وهو في النهاية وجه من وجوه التحضر الرياضي العالمي الذي يتاح مرة كل أربع سنوات للكشف عن مواهب هذه الدولة أو تلك في نشاط رياضي صار الأكثر شعبية، ولكنه الأكثر جنونا، في العالم كله. • ولكن للأسف تم تسييس كل شيء: الكرة والملعب والمتفرجين.."وحتى الساندويتشات" التي تناولها من حظر المقابلة، فأين تعاليم الإسلام من كل هذا؟ عندما قال الإسلام(علموا أبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم )) وهو قول لسيدنا عمر رضي الله عنه، كما جاء في كتاب الفروسية(لابن القيم) بهذا دعا الإسلام إلى تهذيب الأخلاق بالرياضات النبيلة وإلى (ترويض) النفس البشرية على ما يطهرها من الأحقاد ويحررها من الضغط ويسمو بها فوق حسابات اللحظة الجاثمة على الأفق المغلق (سباحة ورماية، وركوب خيل) فكيف تحولت هذه المعاني السامية إلى تراشق بالكلمات في شوارع بعض عواصمنا العربية ثم تطورت إلى حرب بيانات واستدعاء الممثليات الدبلوماسية، وتبادل التهم والتشكيك في الثوابت والمبادئ والتاريخ..ثم تقهقرت إلى حضيض الشتائم والسباب، إلى أن بلغ الأمر مستوى المساس بالرموز و القمم العالية بين البلدين.
لقد اكتشفنا – نحن المثقفين والنخب- أن الأنظمة العربية التي تحكم بعض أقطارنا قد بلغت من الهشاشة مستوى هابطا صار أوهن من بيت العنكبوت وإلا كيف تهتز أركان هذه الأنظمة بركلة رجل لاعب سجل هدفا في هذه الشباك الكروية لهذا البلد أو ذاك؟. شخصيا لم أكن أتخيل، ولو للحظة واحدة في حياتي، أن مقابلة في كرة القدم سوف تفتح على الشعبين الشقيقين أبواب جهنم، ولم أكن أحلم مجرد حلم أن تنجح الصهيونية العالمية بشحن أحقاد الأمة الواحدة ببارود المونديال فتطوي الصهيونية كل ملفاتها معنا، وتنقل المعركة من ساحة غزة إلى صحف الجزائر والقاهرة والفضائيات ، فإذا بنا أمة بلا قضية، ننسى القدس والأقصى والعراق والأراضي المحتلة ومجازر غزة وتقرير غلودستون ومعابر رفح ...الخ ونقيم الدنيا ولا نقعدها من أجل " طوبة " قذفها طائش على باص المنتخب الوطني أو حجر ألقاه طائش آخر على باص من عشرات الباصات التي كانت تقل المشجعين للمنتخب المصري. ودعوني أطرح بعض الأسئلة التي أرجو أن يعلق عليها القراء الكرام من داخل الوطن وخارجه لندرك جميعا أننا ضحايا مؤامرة دولية خطيرة سوف تتسبب في تقسيم المقسم وتجزئ المجزأ تمهيدا للقضاء على آخر ما بقي من شرف الأمة العربية: • لو أن المقابلة كانت بين منتخب عربي ومنتخب أوربي أو أمريكي هل كان أحد يستطيع أن "يتنفس" أو ينبس ببنت شفة أو يقول كلمة تخدش الشرف وتسيء إلى العلاقات بين الدولتين؟ • لو كانت النيات صافية والعزائم صادقة هل كانت وسائل الإعلام المحلية في الدولتين تنجح في قذف كرة تصفيات المونديال من داخل الملاعب إلى صفحات الجرائد ومواقع الانترنت والفضائيات أم أن الأمر كان قد دبر بليل – بعد قذف الأوتوبيس بالطوب- وتجاوز حدود الملاعب إلى كواليس السياسة؟ • لماذا تأخر السياسيون عن التدخل لإخماد نار الفتنة في مهدها قبل أن تطل علينا بقرون الشيطان وتوقد نار الحرب بين الاشقاء والعالم كله يتفرج ثم كلما توسعت دائرة التراشق بالكلمات إلى التواجه باللكمات دخل على الخط من يتحدث باسم "كذا .....فوق الجميع " والكل يدرك أن الله فقط هو القاهر فوق عباده وإلا وجب أن نكون جميعا فوق إسرائيل وفوق الاحتلال وفوق الصهيونية ونتعامل بمنطق العزة القرآنية:"أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين" بدل أن نقرأ على بعضها أشعارا قيلت في حق الحجاج بن يوسف الثقفي : أسد عليَّ وفي الحروب نعامة **** فختاء تنفر من صفير الصافر. • ثم هل يليق، أو يعقل، أن يختصر تاريخ وحضارة شعبين في ركلة كرة قدم –يجب أن تبقى في حدها- لأننا لن نفتح بها الاقصى ولن نرفع بها الحواجز عن أشقائنا بغزة، ولن نطرد بها المحتل من العراق ولن نسجل بها هدفا في مرمى التطبيع والمطبعين مع الكيان الصهيوني حتى لو كان التتويج عربيا. • وأخير، هل هانت أمتنا على نفسها وسقطت هيبتنا وتقطعت أواصر أرحام الأخوة بيننا .. إلى درجة أن تحولنا إلى رهائن "ماتش " كرة تضع الأمهات والزوجات والبنات أيديهن على قلوبهن كلما قيل لهن إن الموعد قد اقترب وأن ((المعركة بين الخضر والفراعنة ستدور رحاها فوق المريخ !؟)) هكذا صور لنا الإعلام مباراة الحسم –كما سماها- بين المنتخبين الشقيقين الجزائري والمصري، وهكذا كشفت الكرة عورة السياسة التي كانت تسترها ورقة توت قديمة تسمى: العلاقات العربية العربية .
فلحساب من تقرع الطبول؟
2. الطاقات المخدرة: كنت شاهد عيان في الخرطوم وتابعت المقابلة من المنصة الشرفية بملعب المريخ، ورافقت المشجعين من البلدين بين الملعب والمطار، وجلست في "صالة" كبار الزوار مع كبار الشخصيات من البلدين.. وقد دفعني إلى الحضور الشخصي ثلاثة أسباب جوهرية: الأول، الوقوف على الحقيقة خارج الإطار الإعلامي والسياسي اللذين هوَّلا وشحنا ووترا وقرعا طبول الحرب بأقصى ما يمكن أن يتخيله مراقب ومتابع، ولم يبق إلا أن يتواجه الطرفان في ساحة ضرب وحرب... الثاني، المساهمة في التهدئة إذا حصل مكروه، فوجود المسؤولين مع المشجعين، هو وجود للعقل مع العاطفة وهو ما قد يساهم في لجم نزوات العواطف بنظرات العقول، وهو ما حصل فعلا. الثالث، أنني جزء من شعب الجزائر، وأن الذي جرى منذ بداية التصفيات الكروية كان يمكن تطويقه لو تدخلت الجهات الرسمية في الوقت المناسب، ولكنها تأخرت ولم تتفق على خطة تطويق وتركت الأمور تتعفن، ولأنني رجل معني بمتابعة ما يجري في العالم العربي عن كثب فقد وجدت لازما أن أحضر لأشاهد بأم عيني وأسال وأسمع بأذني.. وبالفعل فهمت الأمور بصورة واضحة وأدركت أن المسالة ليست حكاية كرة قدم وإنما رغبة بعض الجهات في استغلال كرة القدم لتلميع الذات و تأكيد الإنجازات التاريخية المضخمة التي تخطط لها النخب وينفذها الأشراف ويسوق لها الإعلام وتجني ثمارها العصب. ولأن حضوري لم يكن شكليا، فقد كان جلوسي بالمنصة الشرفية فرصة لأراقب عن قرب كل التحركات من موقع مستشرف وأسمع الهمس الرسمي بأذني لا بآذان المخابرات وأستخلص الدروس من معينها وليس نقلا عن قارعي طبول الحرب الذين جاؤوا بأنباء كاذبة فتناقلتها وسائل الإعلام ونفخت فيها الجهات المحترفة للنفث في العقد حتى صارت الحبة قبة والقبة ناطحة سحاب، وعندي ما أقوله كشاهد عيان، لكن الوقت الآن غير مناسب لذلك و سوف أكتفي بالإشارة إلى مسألتين عاجلتين تاركا بقية ما بجعبتي إلى حديث آخر: الأولى، المقابلة كانت الشجرة الرياضية التي حاول البعض أن يغطوا بها الغابة السياسية، وكلنا، أمام هذا المشهد،ضحايا حسابات سياسية ضيقة، فالكرة كانت "حصان طروادة " والمقابلات الثلاث (في البليدة،والقاهرة،والخرطوم) كانت "قميص عثمان" أما الحقيقة فمازالت داخل الصندوق الأسود أو العلبة السوداء ويوم تهدأ النفوس ويثوب الناس إلى رشدهم فسوف تكتشف الجماهير العريضة في الجزائر ومصر والسودان، وكل المتعاطفين مع المنتخبين في القارات الخمس أن " اللعبة " لم تكن كروية وأن "الطوب" الذي استخدم لتهشيم بعض الزجاج في الجزائر والقاهرة والخرطوم لم يكن صناعة محلية بل كان مستوردا من مخابر لا تحب لهذه الأمة أن تفرح ولا تريد لها أن تخرج من صراعاتها الداخلية ،وأن " البيادق " التي استعملت لتأجيج نار الفتنة لا تدرك أنها تلعب بنار قد تخرج عن إطار السيطرة فتحرق ما بقي من أخضر بعد أن التهمت بين 67-2007 كل ما كان يابسا، ولتعلمن نبأه بعد حين. والثانية، المقابلة التي جرت بالخرطوم كانت نظيفة ودارت في أجواء أخوية رائعة، وكلا المنتخبَين قد أدى ما عليه بروح رياضية عالية إلى آخر ثانية من عمر المقابلة ، والشخصيات التي حضرت من البلدين كان يبدو عليها بعض التشنج خاصة بعد تسجيل الهدف الأول (والأخير) من طرف اللاعب الجزائري عنتر يحي في شباك حسن الحضري ، أما المشجعون من الطرفين فقد جاؤوا مشحونين بفعل الحرب الإعلامية التي سبقت المباراة ، ولأن السلطات السودانية قد ضربت طوقا أمنيا محكما كان حائلا، بين مشجعي الفريقين فإن ما سجل من تجاوزات – بعد المقابلة وفي الطريق إلى المطار- قد حدث من مشجعي الفريقين وكان قليلا وعارضا وبسيطا، بل لم يتجاوز حدود الملاسنات الكلامية وتسبب في كسر زجاج قليل من السيارات والباصات وواجهات المطار ومطعمين أو ثلاث.. ولم يخلف أي جريح في صفوف المشجعين من الطرفين، وذلك أمر عادي يحدث حتى داخل الوطن الواحد بين الزمالك والأهلي في مصر أو بين المولودية واتحاد العاصمة في الجزائر، ولا نتحدث عن صنائع "الهوليغانز " ! فما الذي طرأ على هذا المشهد العادي ليحوله إلى ويل وسواد ليل؟ ومن يقرع طبول الحرب الإعلامية والسياسية والدبلوماسية ليحول أعراس الفائزين إلى مناحات ويصور خسارة منتخب الشقيقة مصر بأبشع ما حصل للعرب سنة 67؟ وهل يعقل أن يتحول "ماتش" – مهما كانت قيمته وأهميته- إلى جبهة صراع بين الأشقاء؟ ومن كان يقف وراء قرع طبول الحرب وكأنها أزفت الآزفة ؟ وهل كسر زجاج بعض الممتلكات في لحظة تشنج– رغم إدانتنا لها ورفضه من حيث المبدأ - يتحول إلى مشجب تعلق عليه كل ممتلكات الشيطان وتزحف على العلاقات التاريخية المتميزة بين الشقيقتين الجزائر ومصر لتختزلها في " 90دقيقة " ؟؟ كل هذه الأسئلة وغيرها نؤجل الإجابة عنها إلى حين حتى لا نُتهَم بأننا قد نساهم في صب الزيت على النار،ونصل بسرعة إلى الخاتمة التي ندعو فيها إلى لجم نزوات العواطف بنظرات العقول.
الخاتمة: ما حدث ويحدث بين الجزائر ومصر اليوم لا يمت بصلة لعالم كرة القدم، ولا يعكس حجم العلاقة وعمقها بين الدولتين وما يجمعنا من دين ولغة وتاريخ ومصالح مشتركة أكبر بملايين المرات من كأس العالم ناهيك عن مجرد إفتكاك تأشيرة التأهل وقد تتقابل المنتخبات – مرة أخرى – في نهائي كأس الأمم الإفريقية السنة المقبلة أو في أية مناشط لاحقة فإذا حدث هذا فهل سنتقاتل و سننسى إسرائيل وجرائمها في غزة ونفتح على أنفسنا بابا للفتنة إذا كسر لن تنفع الدبلوماسيات العالمية ولا القوة الناعمة في إعادة اللحمة إذا تناثر ودها .
لقد أوصانا الإسلام بأرحامنا كثيرا ولم يوصنا بكرة القدم إلا من باب "علموا أبناءكم الرماية والسباحة وركوب الخيل"، فإذا عززت هذه " الرياضات" أواصر الأرحام بيننا وقربت المسافات، وهو الأصل فيها، وجب علينا أن نرعاها في حدود ما أمرنا به ديننا من تعليم أبنائنا الرماية والسباحة وركوب الخيل، أما إذا تأكد أنها تتسبب في تقطيع أرحامنا فإن العيب فينا وليس في الكرة ولا في التأهيل ولا في المونديال..ونموذج فرنسا مع ايرلندا خير شاهد ( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين )